رسالة الصحفي المغربي رشيد نيني مدير جريدة المساء
الى الرئيس الامريكي أوباما
عندما أنهيتم خطابكم التاريخي في قاهرة المعز، اتصل بي مسؤول بالسفارة الأمريكية يطلب رأيي في خطابكم. وبما أنني كنت مشغولا بإرسال صفحات الجريدة إلى المطبعة فقد اعتذرت له عن إعطاء رأيي. فترك لي رقم هاتفه لكي أتصل به بعد إغلاق العدد، لكنني لم أفعل. وبما أنكم استدعيتم ثمانية صحافيين مسلمين لمقابلتكم بعد الخطاب، واستثنيتم استدعاء أي صحافي مغربي، رغم أننا أول دولة اعترفت لكم باستقلالكم، فإنني فكرت في هذه الرسالة التي كنت كتبتها قبل مدة، وأجد أنها لازالت صالحة لتلخيص العلاقات الغامضة بينكم وبين العالم العربي والإسلامي الذي جئتم تخطبون وده في القاهرة. أحيانا أتساءل مع نفسي لماذا خلقنا الله في الكوكب نفسه معكم أنتم الأمريكيين. نحن الشعوب المتخلفة التي أهم صادراتها هي الجراثيم والأمراض والديون، حيث الحكومات المزيفة والسياسيون المداهنون والمثقفون المتملقون. كيف نسمح لأنفسنا بالعيش معكم تحت السماء ذاتها دون أن نخجل من أنفسنا حتى الموت، أنتم الذين اخترعتم كريمات مضادة لسرطان الجلد بعد أن ثقبتم السماء فأصبحت الشمس بسببكم أكثر عدوانية من السابق. أنتم الذين حررتم العبيد السود بعد أن تقاضيتم ثمنهم في الأسواق، وقضيتم على الهنود الحمر لتحموا العالم المن الوحوش. أنتم الذين شيدتم للحرية تمثالا شامخا ينتهي، لسوء الحظ، بشعلة خامدة. أصدقاء الشعوب أنتم بفضل الزيت وحبوب الصوجا، أصدقاء الأنظمة الدموية بفضل السلاح والديون. ضامنو الاستقرار للدول الوديعة التي تضبط منبهاتها على التوقيت العالمي ال. حماة الأنظمة من الديمقراطية التي تطالب بها الشعوب الأمية التي لا ترى الذهب الذي يلمع في خاصرة الصمت. ناكرو جميل نحن. نحن الذين اشتدت سواعدنا بفضل حليب الولايات المتحدة الأمريكية الذي لا يباع ولا يشترى. نحن الذين قاومنا الانقراض بفضل لقاحات منظمة الصحة العالمية ضد السل والملاريا والحمى النهرية. كيف كنا سننجو من السعال الديكي والجذام لولا رحمة أمريكا بنا. نحن الذين نكرهها ونحلم بالهجرة إليها. نفكر بتدميرها ونخطط للحصول على بطاقة الإقامة بها. نتقاضى رواتبنا بعملاتنا الوطنية التافهة ونتخيلها بالدولار. يكفينا فخرا أن بلادكم العظيمة تتواضع وتستودعنا نفاياتها النووية. فأقصي ما يمكن أن نكونه في هذا العالم العربي هو مزبلة واسعة من المحيط إلي الخليج. أعطيتمونا السلاح لنصفي حساباتنا مع جيراننا فنسينا وأدرنا أسلحتنا نحوك. أعطيتم شبابنا منحا لتعلم اللغة الإنكليزية في جامعاتك واستقبلتموهم في مدنكم فنسوا اللغة وتعلموا قيادة الطائرات. وعندما حصلوا على رخص القيادة بدؤوا يجربون المرور بالطائرات بين ناطحات السحاب والارتطام بالعمارات. تمنحوننا القروض فنتأخر في الدفع، فتعيدون جدولة ديوننا. ولطيبة قلبكم تمنحوننا قروضا إضافية حتى نغرق في ديوننا إلى أبد الآبدين. ترسلون إلينا القمح وعضلات «سطالون» وغنج «شارون ستون»، فنتهمكم بالامبريالية وقلة الحياء. نحن الذين تزدحم شوارعنا بالعاهرات اللواتي لوفرتهن صرنا نفكر لهن في حزب سياسي يمثلهن في البرلمان. أنتم تعاقبون وأنتم تجازون. ترمون أكياس الدقيق بيد باليد الأخرى ترمون صواريخ «كروز» و«طوما هوك» والقنابل الفسفورية. تدخلون إلي حلفكم المقدس من تشاؤون وتطردون عنه من تشاؤون. أنتم القادرون على تحويل العساكر المخصيين إلى حكام أبديين ضدا على شعوبهم. أنتم القادرون على إسقاط العروش على رؤوس الجالسين فوقها. أنتم الوحيدون القادرون على إهدار دمائنا الرخيصة وطلبنا جميعا أحياء أو أمواتا للوقوف صاغرين أمام عدالتكم القاهرة. تجاوزوا عن شعوبنا غرورها واعتدادها بعروبتها. تجاوزوا عنا قسوتنا، نحن الذين شيدنا المعتقلات السرية لنختطف ونعذب فيها بعضنا البعض. ولم نستمع لنداء منظماتكم الإنسانية الدافئ ولا لنحيب الأمهات الباكيات اللواتي لم يحصلن جزاء شقائهن الطويل ولو على جثث أبنائهن. سمعتنا لديكم أكثر سوادا من وجه «كولن باول» وملفاتنا منتفخة بالجرائم أكثر من عجيزة «مادلين أولبرايت». لكننا نأمل أن تكون رحمتكم بنا أوسع من صدر «باميلا أندرسون». إلى متى سنظل نبحث عنكم كلما اقتحم أحد حكامنا خيمة الحاكم الذي يجاوره ليسطو علي نسائه وآبار نفطه وقطعان ماعزه. إلى متى سنظل نستنجد بمجنداتكم السمينات ليراقبن مضخات نفطنا وغازنا ولينظمن طوافنا حول الكعبة مثلما ينظمن طوافا للدراجات. إلى متى سنظل محتاجين إلى مراقبيكم الأميين وقبعاتكم الزرق كلما فكرنا في تنظيم انتخاباتنا المزيفة التي حتى ولو ترشحت فيها ملائكة الرحمن لما نجحت بكل تلك النسب الخارقة للعادة. نعلم أنكم تحبوننا رغم كل شيء. لذلك تنظمون لنا كل سنة قرعة عادلة. ويشهد الله أننا نشارك بانتظام كل عام. الموظفون والعاطلون. المستخدمون وأطر الدولة. السياسيون والبرلمانيون. حتى إننا صرنا نشك في أن قادتنا أيضا يتزاحمون معنا على «الغرين كارت». هم الذين حولوا حياتنا إلى جحيم في أوطاننا ويستكثرون علينا أن ننتقل إلى نعيمكم دون رفقتهم الثقيلة. تشيدون قواعدكم على أراضينا من أجل حمايتنا من أنفسنا، فنكتب في جرائدنا المأجورة أنكم تحتلون أراضينا. نحن الذين لا نملك من هذه الأراضي الشاسعة سوى التراب الذي أكلناه عندما كنا أطفالا نحبو تحت جدران بيوتنا الآيلة للسقوط. لسنوات وأنتم تعلمون تعلموننا المساواة بين الرجل والمرأة. بين الأبيض والأسود وبين الغني والفقير. ولم نتعلم منك سوى احتقار الرجال والنساء واستعباد السود والبيض ووضع حدود واضحة بين الأغنياء والفقراء. كم نبدو كسالى وأغبياء وبلا ضمائر أمام قوتكم وذكائكم وضميركم الحي الذي لا يموت. سألناكم فأعطيتم واستجرنا بكم فأجرتم، وحين أدينا القسم أمام رايتكم وتخلينا عن جنسياتنا المشبوهة لنأخذ جنسيتكم التي لا يرقي إليها الشك، وسكنا فسيح بيوتكم وقدنا سياراتكم الكبيرة، حتى إذا سكنتم إلينا وسكنا إليكم، عدنا إلى مساجدنا وأطلقنا لحانا كما في سالف الأزمان، واستبدلنا سراويل «البلودجينز» وأحذية «النايك» بالجلابيب والسراويل القصيرة والأحذية الجلدية، وصحنا في وجهكم «الله أكبر». وكأنكم لستم الكبار ولستم العظماء ولستم أنتم الذين جمعتمونا من شوارع مدننا التي يشحذ فيها نصف الشعب بينما النصف الآخر يسكر في باراتها الحقيرة. لكن قلبكم كبير وعفوكم يتسع للجميع. فأنتم تعرفون أن العرب يغيرون مواقفهم في اليوم أكثر مما تغير عاهرة عشاقها في ليلة واحدة. تحسنون إلينا ومع ذلك لا تتقون شرورنا. تشتروننا عبيدا وتنسون أخذ السوط معكم. نحن الأنجاس المناكيد الذين يقولون نعم عندما يفكرون بقول لا، الذين لا تكفيهم كل خمارات العالم لإطفاء عطشهم إلى النسيان. أعطاكم قادتنا العهد بأن نكون معكم في السراء والضراء، في الليل والنهار، في القوة والضعف. أنتم الذين تنازعون الله في هذه الأزمنة الصعبة حول عدالته المطلقة. صانعو «الطوماهوك» و«البورغركينغ» وأطفال الأنابيب، حماة حقوق الأقليات والشواذ. لديكم نجوم هوليود ولدينا ممثلونا السخيفون في البرلمان. لديكم ناطحات السحاب ولدينا دور الصفيح. لديكم أقماركم الاصطناعية ولدينا كوكب الشرق أم كلثوم.. لديكم الكرسي الكهربائي ولدينا كراسي دورة المياه التي تشبه في ثباتها كراسي حكامنا. عذرا يا رئيس الولايات المتحدة ضد الشر. نرفع إليك اعتذاراتنا نحن الذين لم نتحد قط سوى ضد مصالح بعضنا البعض. سامحنا على شقاوتنا وطول ألسنتهم قادتنا في جامعة الدول العربية. فقد شاخوا وأصبحت ذاكرياتهم تخونهم ولم يعودوا قادرين على تذكر كيف قدمتم لهم الحماية في أكثر من انقلاب وكم أخمدتم من ثورة شعبية ضدهم وكيف وفرتم لهم أسباب النجاح في تطبيق سياساتهم الرشيدة التي قادتنا إلى هذا المستنقع العربي الواسع. لا تغضبوا من كتابنا الذين يشهرون أعمدتهم اليومية في وجهكم وينهالون بها على سياستكم. فأغلبهم دجالون يبيعون مقالاتهم وراء ظهورنا ويتقاضون ثمنها بالدولار. لا تتركونا وشأننا، فمن دونكم لا نعرف ماذا نصنع بأنفسنا. أنتم المنارة التي ترشد سفننا في هذا الليل العربي الحالك. أرسلوا إلينا أطواق النجاة وسفن «المارينز» والأسماك المعلبة والأقراص المضادة للغثيان. فنحن نوشك أن نغرق وسط كل هذه الخطب العصماء التي تبعث على القيء. لماذا لا تفكرون بإخصائنا جميعا حتى ينقطع نسلنا إلى الأبد. فنحن لم نعد صالحين سوى لنفخ بطون زوجاتنا وفتل شواربنا الصفراء بسبب المرق والتبغ الرديء. أنتم تحددون النسل ونحن نبعثره. أنتم تنظمون الأسرة ونحن نشتتها. نبعث بالأب إلى الشارع وبالأبناء إليكم عندما يكبرون وبالأم إلي بيت أبيها مكسرة الأضلاع. أنتم تحاربون الرشوة ونحن نربيها في الإدارات والوزارات ومقرات الأحزاب. تموتون في اليوم ألف مرة من أجل تحقيق اختراع صغير بينما نحن، من أجل هضم كل هذا الذل العربي بهدوء أكبر، اخترعنا القيلولة بعد الأكل. لسنوات طويلة وأنتم تعلموننا السباحة والرماية وركوب الخيل في أفلام «جون واين» و«هنري فوندا» و«رونالد ريغان»، فلم نفلح سوى في تعلم بكاء فاتن حمامة وشرور المليجي وصفاقة إسماعيل ياسين. امنحونا فرصة أخيرة قبل أن تعلنوا علينا القيامة. منحتمونا القمح لنوزعه على الجياع فأنزلنا القمح إلى الأسواق وأنزلنا العقاب بالجياع. منحتمونا الحليب للرضع فبعناه للراشدين. ماذا نستحق منكم يا سيادة الرئيس غير قنبلة نووية تقتلعنا من هذه الأرض إلى الأبد. هكذا يخلو لكم الجو وتحققون السلم في هذا الكوكب الصغير الذي لم يعد يتسع لأحد آخر غيركم.
الى الرئيس الامريكي أوباما
عندما أنهيتم خطابكم التاريخي في قاهرة المعز، اتصل بي مسؤول بالسفارة الأمريكية يطلب رأيي في خطابكم. وبما أنني كنت مشغولا بإرسال صفحات الجريدة إلى المطبعة فقد اعتذرت له عن إعطاء رأيي. فترك لي رقم هاتفه لكي أتصل به بعد إغلاق العدد، لكنني لم أفعل. وبما أنكم استدعيتم ثمانية صحافيين مسلمين لمقابلتكم بعد الخطاب، واستثنيتم استدعاء أي صحافي مغربي، رغم أننا أول دولة اعترفت لكم باستقلالكم، فإنني فكرت في هذه الرسالة التي كنت كتبتها قبل مدة، وأجد أنها لازالت صالحة لتلخيص العلاقات الغامضة بينكم وبين العالم العربي والإسلامي الذي جئتم تخطبون وده في القاهرة. أحيانا أتساءل مع نفسي لماذا خلقنا الله في الكوكب نفسه معكم أنتم الأمريكيين. نحن الشعوب المتخلفة التي أهم صادراتها هي الجراثيم والأمراض والديون، حيث الحكومات المزيفة والسياسيون المداهنون والمثقفون المتملقون. كيف نسمح لأنفسنا بالعيش معكم تحت السماء ذاتها دون أن نخجل من أنفسنا حتى الموت، أنتم الذين اخترعتم كريمات مضادة لسرطان الجلد بعد أن ثقبتم السماء فأصبحت الشمس بسببكم أكثر عدوانية من السابق. أنتم الذين حررتم العبيد السود بعد أن تقاضيتم ثمنهم في الأسواق، وقضيتم على الهنود الحمر لتحموا العالم المن الوحوش. أنتم الذين شيدتم للحرية تمثالا شامخا ينتهي، لسوء الحظ، بشعلة خامدة. أصدقاء الشعوب أنتم بفضل الزيت وحبوب الصوجا، أصدقاء الأنظمة الدموية بفضل السلاح والديون. ضامنو الاستقرار للدول الوديعة التي تضبط منبهاتها على التوقيت العالمي ال. حماة الأنظمة من الديمقراطية التي تطالب بها الشعوب الأمية التي لا ترى الذهب الذي يلمع في خاصرة الصمت. ناكرو جميل نحن. نحن الذين اشتدت سواعدنا بفضل حليب الولايات المتحدة الأمريكية الذي لا يباع ولا يشترى. نحن الذين قاومنا الانقراض بفضل لقاحات منظمة الصحة العالمية ضد السل والملاريا والحمى النهرية. كيف كنا سننجو من السعال الديكي والجذام لولا رحمة أمريكا بنا. نحن الذين نكرهها ونحلم بالهجرة إليها. نفكر بتدميرها ونخطط للحصول على بطاقة الإقامة بها. نتقاضى رواتبنا بعملاتنا الوطنية التافهة ونتخيلها بالدولار. يكفينا فخرا أن بلادكم العظيمة تتواضع وتستودعنا نفاياتها النووية. فأقصي ما يمكن أن نكونه في هذا العالم العربي هو مزبلة واسعة من المحيط إلي الخليج. أعطيتمونا السلاح لنصفي حساباتنا مع جيراننا فنسينا وأدرنا أسلحتنا نحوك. أعطيتم شبابنا منحا لتعلم اللغة الإنكليزية في جامعاتك واستقبلتموهم في مدنكم فنسوا اللغة وتعلموا قيادة الطائرات. وعندما حصلوا على رخص القيادة بدؤوا يجربون المرور بالطائرات بين ناطحات السحاب والارتطام بالعمارات. تمنحوننا القروض فنتأخر في الدفع، فتعيدون جدولة ديوننا. ولطيبة قلبكم تمنحوننا قروضا إضافية حتى نغرق في ديوننا إلى أبد الآبدين. ترسلون إلينا القمح وعضلات «سطالون» وغنج «شارون ستون»، فنتهمكم بالامبريالية وقلة الحياء. نحن الذين تزدحم شوارعنا بالعاهرات اللواتي لوفرتهن صرنا نفكر لهن في حزب سياسي يمثلهن في البرلمان. أنتم تعاقبون وأنتم تجازون. ترمون أكياس الدقيق بيد باليد الأخرى ترمون صواريخ «كروز» و«طوما هوك» والقنابل الفسفورية. تدخلون إلي حلفكم المقدس من تشاؤون وتطردون عنه من تشاؤون. أنتم القادرون على تحويل العساكر المخصيين إلى حكام أبديين ضدا على شعوبهم. أنتم القادرون على إسقاط العروش على رؤوس الجالسين فوقها. أنتم الوحيدون القادرون على إهدار دمائنا الرخيصة وطلبنا جميعا أحياء أو أمواتا للوقوف صاغرين أمام عدالتكم القاهرة. تجاوزوا عن شعوبنا غرورها واعتدادها بعروبتها. تجاوزوا عنا قسوتنا، نحن الذين شيدنا المعتقلات السرية لنختطف ونعذب فيها بعضنا البعض. ولم نستمع لنداء منظماتكم الإنسانية الدافئ ولا لنحيب الأمهات الباكيات اللواتي لم يحصلن جزاء شقائهن الطويل ولو على جثث أبنائهن. سمعتنا لديكم أكثر سوادا من وجه «كولن باول» وملفاتنا منتفخة بالجرائم أكثر من عجيزة «مادلين أولبرايت». لكننا نأمل أن تكون رحمتكم بنا أوسع من صدر «باميلا أندرسون». إلى متى سنظل نبحث عنكم كلما اقتحم أحد حكامنا خيمة الحاكم الذي يجاوره ليسطو علي نسائه وآبار نفطه وقطعان ماعزه. إلى متى سنظل نستنجد بمجنداتكم السمينات ليراقبن مضخات نفطنا وغازنا ولينظمن طوافنا حول الكعبة مثلما ينظمن طوافا للدراجات. إلى متى سنظل محتاجين إلى مراقبيكم الأميين وقبعاتكم الزرق كلما فكرنا في تنظيم انتخاباتنا المزيفة التي حتى ولو ترشحت فيها ملائكة الرحمن لما نجحت بكل تلك النسب الخارقة للعادة. نعلم أنكم تحبوننا رغم كل شيء. لذلك تنظمون لنا كل سنة قرعة عادلة. ويشهد الله أننا نشارك بانتظام كل عام. الموظفون والعاطلون. المستخدمون وأطر الدولة. السياسيون والبرلمانيون. حتى إننا صرنا نشك في أن قادتنا أيضا يتزاحمون معنا على «الغرين كارت». هم الذين حولوا حياتنا إلى جحيم في أوطاننا ويستكثرون علينا أن ننتقل إلى نعيمكم دون رفقتهم الثقيلة. تشيدون قواعدكم على أراضينا من أجل حمايتنا من أنفسنا، فنكتب في جرائدنا المأجورة أنكم تحتلون أراضينا. نحن الذين لا نملك من هذه الأراضي الشاسعة سوى التراب الذي أكلناه عندما كنا أطفالا نحبو تحت جدران بيوتنا الآيلة للسقوط. لسنوات وأنتم تعلمون تعلموننا المساواة بين الرجل والمرأة. بين الأبيض والأسود وبين الغني والفقير. ولم نتعلم منك سوى احتقار الرجال والنساء واستعباد السود والبيض ووضع حدود واضحة بين الأغنياء والفقراء. كم نبدو كسالى وأغبياء وبلا ضمائر أمام قوتكم وذكائكم وضميركم الحي الذي لا يموت. سألناكم فأعطيتم واستجرنا بكم فأجرتم، وحين أدينا القسم أمام رايتكم وتخلينا عن جنسياتنا المشبوهة لنأخذ جنسيتكم التي لا يرقي إليها الشك، وسكنا فسيح بيوتكم وقدنا سياراتكم الكبيرة، حتى إذا سكنتم إلينا وسكنا إليكم، عدنا إلى مساجدنا وأطلقنا لحانا كما في سالف الأزمان، واستبدلنا سراويل «البلودجينز» وأحذية «النايك» بالجلابيب والسراويل القصيرة والأحذية الجلدية، وصحنا في وجهكم «الله أكبر». وكأنكم لستم الكبار ولستم العظماء ولستم أنتم الذين جمعتمونا من شوارع مدننا التي يشحذ فيها نصف الشعب بينما النصف الآخر يسكر في باراتها الحقيرة. لكن قلبكم كبير وعفوكم يتسع للجميع. فأنتم تعرفون أن العرب يغيرون مواقفهم في اليوم أكثر مما تغير عاهرة عشاقها في ليلة واحدة. تحسنون إلينا ومع ذلك لا تتقون شرورنا. تشتروننا عبيدا وتنسون أخذ السوط معكم. نحن الأنجاس المناكيد الذين يقولون نعم عندما يفكرون بقول لا، الذين لا تكفيهم كل خمارات العالم لإطفاء عطشهم إلى النسيان. أعطاكم قادتنا العهد بأن نكون معكم في السراء والضراء، في الليل والنهار، في القوة والضعف. أنتم الذين تنازعون الله في هذه الأزمنة الصعبة حول عدالته المطلقة. صانعو «الطوماهوك» و«البورغركينغ» وأطفال الأنابيب، حماة حقوق الأقليات والشواذ. لديكم نجوم هوليود ولدينا ممثلونا السخيفون في البرلمان. لديكم ناطحات السحاب ولدينا دور الصفيح. لديكم أقماركم الاصطناعية ولدينا كوكب الشرق أم كلثوم.. لديكم الكرسي الكهربائي ولدينا كراسي دورة المياه التي تشبه في ثباتها كراسي حكامنا. عذرا يا رئيس الولايات المتحدة ضد الشر. نرفع إليك اعتذاراتنا نحن الذين لم نتحد قط سوى ضد مصالح بعضنا البعض. سامحنا على شقاوتنا وطول ألسنتهم قادتنا في جامعة الدول العربية. فقد شاخوا وأصبحت ذاكرياتهم تخونهم ولم يعودوا قادرين على تذكر كيف قدمتم لهم الحماية في أكثر من انقلاب وكم أخمدتم من ثورة شعبية ضدهم وكيف وفرتم لهم أسباب النجاح في تطبيق سياساتهم الرشيدة التي قادتنا إلى هذا المستنقع العربي الواسع. لا تغضبوا من كتابنا الذين يشهرون أعمدتهم اليومية في وجهكم وينهالون بها على سياستكم. فأغلبهم دجالون يبيعون مقالاتهم وراء ظهورنا ويتقاضون ثمنها بالدولار. لا تتركونا وشأننا، فمن دونكم لا نعرف ماذا نصنع بأنفسنا. أنتم المنارة التي ترشد سفننا في هذا الليل العربي الحالك. أرسلوا إلينا أطواق النجاة وسفن «المارينز» والأسماك المعلبة والأقراص المضادة للغثيان. فنحن نوشك أن نغرق وسط كل هذه الخطب العصماء التي تبعث على القيء. لماذا لا تفكرون بإخصائنا جميعا حتى ينقطع نسلنا إلى الأبد. فنحن لم نعد صالحين سوى لنفخ بطون زوجاتنا وفتل شواربنا الصفراء بسبب المرق والتبغ الرديء. أنتم تحددون النسل ونحن نبعثره. أنتم تنظمون الأسرة ونحن نشتتها. نبعث بالأب إلى الشارع وبالأبناء إليكم عندما يكبرون وبالأم إلي بيت أبيها مكسرة الأضلاع. أنتم تحاربون الرشوة ونحن نربيها في الإدارات والوزارات ومقرات الأحزاب. تموتون في اليوم ألف مرة من أجل تحقيق اختراع صغير بينما نحن، من أجل هضم كل هذا الذل العربي بهدوء أكبر، اخترعنا القيلولة بعد الأكل. لسنوات طويلة وأنتم تعلموننا السباحة والرماية وركوب الخيل في أفلام «جون واين» و«هنري فوندا» و«رونالد ريغان»، فلم نفلح سوى في تعلم بكاء فاتن حمامة وشرور المليجي وصفاقة إسماعيل ياسين. امنحونا فرصة أخيرة قبل أن تعلنوا علينا القيامة. منحتمونا القمح لنوزعه على الجياع فأنزلنا القمح إلى الأسواق وأنزلنا العقاب بالجياع. منحتمونا الحليب للرضع فبعناه للراشدين. ماذا نستحق منكم يا سيادة الرئيس غير قنبلة نووية تقتلعنا من هذه الأرض إلى الأبد. هكذا يخلو لكم الجو وتحققون السلم في هذا الكوكب الصغير الذي لم يعد يتسع لأحد آخر غيركم.