"أصدقاء ليبيا" يتقاسمون كعكة الثروات النفطية
الأربعاء, 07 سبتمبر 2011
إعداد هناء عليان
ليبيا في أعقاب القذافي تتنازعها المصالح والمغانم السياسية التي يسعى كل طرف بين الدول الغازية إلى تحقيقها، فعيون الدول التي شاركت في الهجوم على ليبيا منصبّة على النفط والثروات الطائلة، والأرصدة الهائلة المجمدة مؤقتاً. أما وقد عُقد في باريس مؤتمر "أصدقاء ليبيا" المزعومين، بهدف تقاسم "الكعكة" و"مغانم" النفط والشركات، فقد انطلقت صافرة البدء بالمناقصات والمزايدات في العلن، ولم يخف قادة الدول الكبرى، أو في الواقع لم يتمكنوا من إخفاء بريق عيونهم وهم يتحدثون عن الثروات النفطية.
وقبل البدء، لا بد من التذكير بأن ليبيا تملك أكبر احتياطي للنفط عالي الجودة في إفريقيا، وهي رابع منتج له في القارة، وكانت تصدّر قبل الثورة على القذافي 80 في المئة من إنتاجها النفطي إلى أوروبا، وأساساً إلى إيطاليا وفرنسا، وبحسب وكالة الطاقة الدولية، فقد أنتجت ليبيا عام 2010، 1.55 مليون برميل نفط يومياً بنوعية ممتازة.
صفقات خفية
جاء مؤتمر "أصدقاء ليبيا" بدعوة من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي تنقّل كالديك مختالاً بين ضيوفه في الإليزيه، بعدما تغلب على رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون، ليعقد المؤتمر في باريس وليس في عاصمة الضباب.
شارك في المؤتمر نحو 60 وفداً دولياً، بما في ذلك ممثلو الدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن، كما حضر المؤتمر 13 رئيس دولة، وشارك الأمناء العامون للأمم المتحدة والجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي، وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ووزيرة خارجية الولايات المتحدة هيلاري كلينتون، ورئيس الاتحاد الأوروبي هرمان فون رومبوي، وممثلون عن روسيا والصين، إلى جانب المفوضة العليا للشؤون الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون.. حضروا جمعيهم ليكونوا شهود عيان على احتفالية تقطيع "الكعكة الليبية"، وتناولها قضمة قضمة على يد المستعمرين القدامى بشركاتهم المتعددة الفروع.
ورغم أن إيطاليا حاولت جاهدة عبر لسان وزير خارجيتها فرانكو فراتيني نفي وجود أي سباق أو تنافس استعماري غربي للاستيلاء على ثروات ليبيا، إلا أن الاجتماعات المغلقة والوعود الاقتصادية والنفطية التي أطلقها ممثلو المجلس الانتقالي مرغمين "لمن ساعدهم في نيل الاستقلال"، لم تكن لتخفى على أحد.
وقبيل بدء المؤتمر، أعطت فرنسا لمحة عن طُمعها بالرصيد المالي الليبي، حين أعلن وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه أن فرنسا حصلت على موافقة الأمم المتحدة على الإفراج عن مليار ونصف المليار يورو (2.16 مليار دولار) من الأصول الليبية المجمدة، لمساعدة المجلس الوطني الانتقالي على إعادة بناء البلاد.
ولم يترك وزير خارجية بريطانيا؛ وليام هيغ، المجال لجوبيه ليتفوق عليه، بل أعلن بطلاقة عن سعيٍ لتوثيق العلاقات التجارية بين ليبيا وأوروبا، وأن بريطانيا لن تضيع فرصتها في الحصول على نصيبها من العقود!
من جهته، وعد رئيس المجلس الوطني الانتقالي؛ مصطفى عبد الجليل، بـ"مكافأة" الدول التي قامت بما وصفه "دوراً رائداً" في دعمِ انتفاضته على القذافي.
ببساطة، أرادت باريس أن تكرّس، عبر رعايتها مؤتمر دول "أصدقاء ليبيا"، رئاستها لمرحلة الاستثمار السريع للتدخل العسكري عبر الناتو، وكشف الصورة الحقيقية للتدخل الغربي، عبر السيطرة على منابع النفط وثراوته، وبسط نفوذ إضافي في المنطقة.
تنافس غربي
لقد بدأت تظهر مؤشرات تتحدث عن أن الفترة المقبلة ستشهد سباقاً محتدماً بين مجموعة من الدول الغربية للاستفادة من ثروات ليبيا النفطية في مرحلة ما بعد معمر القذافي. ورغم أن فرنسا وبريطانيا قدمتا الجهد الأكبر في الحملة التي يقودها الحلف الأطلسي ضد كتائب القذافي، خصوصاً خلال المرحلة التي سبقت سقوط طرابلس بيد الثوار، إلا أن الخلافات بين البلدين عميقة وجوهرية بشأن مستقبل ليبيا وطبيعة دورها المرتقب والمأمول.
الحالة الليبية الراهنة لا تشكل إلا حلقة بسيطة في حلقات التنافس المحموم بين الدولتين، حيث تسعى فرنسا إلى أن تسوّق نفسها أمام الشعب الليبي، لا بل أمام كل شعوب المنطقة، بأنها هي التي أسقطت النظام الليبي، لذلك سارعت إلى الإعلان عن عقد المؤتمر باعتباره استثماراً من أجل المستقبل، وقد أعربت بريطانيا عن انزعاجها من هذا الإعلان المفاجئ، الذي لم يتم التشاور معها بشأنه، لذلك فقد حرص ساركوزي، في تصريحه، على التأكيد أنه قد تباحث مع زميله البريطاني كاميرون بشأن هذه المبادرة المتعلقة بعقد هذا اللقاء الدولي.
وعلاوة على ذلك، فإن الجانبين الفرنسي والبريطاني يسعيان إلى الحصول على حصة محترمة من مشاريع إعادة الإعمار، والتي تقدَّر عائداتها بمليارات الدولارات، الأمر الذي ستكون له تأثيرات وتداعيات جد إيجابية على المستوى الاقتصادي في كل من بريطانيا وفرنسا، اللتين تعرفان تباطؤاً في معدلات النمو.
وكانت صحيفة ليبيراسيون الفرنسية نشرت رسالة تحمل تاريخ 3 نيسان، وممهورة بشعار "الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا" وموجّهة إلى أمير قطر، أشارت إلى "اتفاق يمنح بموجبه 35 في المئة من إجمالي الخام الليبي للفرنسيين، مقابل دعمهم التام والدائم لمجلسنا".
وصرّحت فرنسا أنه "من المنصف والمنطقي" بالنسبة إلى شركاتها أن تستفيد من تلك الثروة الضخمة الموجودة في البلاد، باعتبار أنها من قاد عمليات الناتو في ليبيا.
ورغم تصريحات النفي المتوالية والمتزاحمة، فمن غير المفاجئ أن تنال باريس ولندن حصة كبيرة من العقود، بفضل مساندتهما غير المشروطة للمجلس الوطني الانتقالي، المكلف قيادة المرحلة الانتقالية في بلد نفطي يملك ضعف ما تملكه الولايات المتحدة من احتياطات.
الأمر في غاية الأهمية بالنسبة إلى فرنسا، فهي ثاني مستورد للنفط من ليبيا، التي تلبي 15 في المئة من احتياجاتها بعد إيطاليا.
أما بالنسبة إلى بريطانيا، فقد سمح لها الصراع في ليبيا بالظهور بصورة القوة العسكرية الكبرى المستقلة عن الولايات المتحدة، وبتحالفها مع باريس كسرت لندن صورة التابع لقرار واشنطن.
هذا وقد كشفت الصحف البريطانية أن شركة "بريتش بتروليوم" تجري محادثات خاصة مع أعضاء في الحكومة الانتقالية في ليبيا، وسبق أن تعهدت "لبريتش بتروليوم" بإنفاق أكثر من مليار دولار على خطط استكشافية أثناء فترة حكم العقيد الليبي معمر القذافي، وهي تنوي مضاعفتها اليوم.
كما كشف النقاب عن أن شركة "فيتول" البريطانية للنفط، والتي يمول رئيسها التنفيذي حزب المحافظين، قد فازت بحقوق قيمة لإجراء تعاملات تجارية مع الثوار الليبيين، بعد إجراء محادثات سرية شاركت فيها الحكومة البريطانية، وقد دُبرت الصفقة من جانب آلان دونكان؛ التاجر النفطي السابق ووزير التنمية الدولية الحالي، والذي تربطه علاقات تجارية وثيقة بالشركة النفطية.
مع ذلك، لا تستطيع بعض الشركات البريطانية إخفاء نقمتها وغضبها على حكومة ديفيد كاميرون، لعدم تحركها على المستوى السياسي، كما تفعل فرنسا وألمانيا، وتخشى هذه الشركات خسارة المنافسة على الصفقات الكبيرة، وقال بعض أصحاب الشركات البريطانية إن فرنسا وألمانيا تستغلان علاقاتهما مع المجلس الوطني الانتقالي الليبي للفوز بصفقات اقتصادية، لكن لندن ترددت بذلك بسبب شخصية كاميرون الضعيفة.
ولم تتوقف حلقة الاستفادة من ثروات ليبيا عند حدود هذين البلدين، فحضور المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مؤتمر "أصدقاء ليبيا" يحمل بحد ذاته دلالة خاصة، فبلادها امتنعت عن التصويت على القرار 1973 الذي سمح باستعمال القوة، كما رفضت لاحقاً المشاركة بعمليات الأطلسي، لكن ما دفع ألمانيا إلى تغيير موقفها وجود العقود المغرية، فألمانيا من الدول الأساسية في تصدير المعدات الصناعية في العالم، وإعادة إعمار ليبيا كنز لا يفوَّت. ويقول أحد المحللين إن برلين التي تصدعت سمعتها كثيراً في الغرب بعد رفضها تأييد القرار 1973، تسعى إلى الحصول على فرصة ثانية، بعد أن بدأت تتراجع تدريجيا عن موقفها السابق حيال الأزمة الليبية، عندما لمست كم الثروات والصفقات المتاح، واعترفت بالمجلس الوطني الانتقالي، وطلبت منه إرسال ممثل إلى برلين، حيث يرفرف منذ أيام علم الثوار على مقر السفارة الليبية.
تجدر الإشارة إلى أن ألمانيا كانت ثاني أكبر مستورد للنفط الليبي، وفيها فروع لشركات مثل "ريفي ديا" و"باسف" و"فنترزهال"، وشركة البناء "بيلفينغر"، و"سيمنز".
أما إيطاليا، وبعد ترددها بالانخراط في الصراع الليبي، فقد أسرعت بالاستجابة لطلبات الدعم المادي التي قدمها المجلس الوطني الانتقالي. ففي 25 آب، وقبل الدول الأوروبية الأخرى، وعد رئيس الوزراء الإيطالي بالإفراج عن دفعة أولى من الأموال المجمّدة، بلغت 350 مليون يورو لصالح المجلس.
وتجدر الإشارة إلى أن إيطاليا كانت الشريك التجاري الأول لليبيا قبل الانتفاضة، ويقول خبراء إن شركتي "توتال" الفرنسية و"أيني" الإيطالية قد تكونا من أكبر الشركات الرابحة في الحقل النفطي في العهد الليبي الجديد، وقد أعلن وزير خارجية إيطاليا أن شركة "إيني" الإيطالية للنفط ستلعب الدور الأول في المستقبل داخل الاراضي الليبية، وقيل إن فنيي وخبراء الشركة الإيطالية في طريقهم بالفعل إلى ليبيا، لإعادة البدء بإنتاج النفط، رغم أن الشركة تنفي إرسال أي موظف إلى منطقة ما زالت غير مستقرة.
يذكر أنه وفي السنوات الماضية تطورت العلاقات الليبية الإيطالية، ونتيجة للتقارب الذي حصل بين رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني مع القذافي، ازدهرت العلاقات الاقتصادية، وكانت إيطاليا حتى اندلاع الحرب في ليبيا أكثر المستفيدين من الاقتصاد الليبي، وعادت هذه العلاقة على إيطاليا بمليارات الدولارات، حيث جنتها بشكل خاص شركة "إيني"، التي تدير شبكة محطات الوقود "أجيب"، وتحقق الشركة نسبة 13 في المئة من أرباحها السنوية من نشاطها في ليبيا، واستناداً إلى غرفة التجارة والصناعة الليبية - الإيطالية، تعمل 130 شركة إيطالية في ليبيا، ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 14 مليار يورو، وكان من المقرر بناء طريق سريع على طول الشاطئ بين إيطاليا وليبيا، كلفته خمسة مليارات دولار، لكن تم وقف التنفيذ بعد نهاية الصداقة بين القذافي وبيرلسكوني مع بدء الحرب.
وبينما كانت تحظى شركات صينية وروسية بوجود لافت وبارز في الجماهيرية، فهي قد تواجه صعوبات اليوم، بسبب علاقاتها السابقة بنظام القذافي، وعدم تهاونها مع الثوار.
أما تركيا، فقد سعت لتحصل على موقع متقدم من تقاسم المغانم، وكان وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو أول الواصلين إلى بنغازي؛ مقر المجلس الوطني الانتقالي، بعد دخول الثوار العاصمة طرابلس. وفي مؤتمر صحفي عقده في بنغازي مع رئيس المجلس مصطفى عبد الجليل، طالب أوغلو بأن يجري رفع الحظر عن الأموال الليبية المجمدة بقرار أممي، وقال إن تركيا قررت منح الثوار قرضاً قيمته 300 مليون دولار، وأشار إلى عزم تركيا تقديم مساعدات أخرى.
ولا شك أن الدول الغربية وتركيا ليست مهتمة برفاه الشعب الليبي بقدر اهتمامها بمصالحها الاقتصادية، حيث إن انهيار نظام القذافي يوفر لها الآن فرصة تاريخية لاقتحام السوق الليبية.
انتقام أميركي
وإذا كانت الولايات المتحدة قد تخلت، ولو بصفة مؤقتة، عن دورها القيادي في الحملة الدولية التي استهدفت نظام القذافي، فإنها لم تكن في المقابل بعيدة كل البعد عن تفاصيل ما يجري على مستوى تقاسم الثروات الليبية.
وتأمل الولايات المتحدة باستعادة قيمة ما أنفقته في الحرب ضد القذافي، وهي تسعمائة مليون دولار. وكانت شركات نفط أميركية مثل "هيس"، و"كونوكو فيليبس"، و"ماراثون أويل"، قد أبرمت عقوداً مع القذافي قيمتها مليارات الدولارات، والآن بعد سقوط نظامه، تأمل في مواصلة نشاطها وجر شركات أميركية أخرى لمنافسة الأوروبيين في ليبيا.
لكن كخطوة أولى سبقت خطوة فرنسا، قرر البيت الأبيض سرقة كل ما يمكن سرقته من الأموال الليبية، لتعويض ما صرفه من أموال على العملية العسكرية في ليبيا، التي تبين أنها كانت بلا طائل، وأبلغت الإدارة الأميركية هذا القرار لوزيرة خارجيتها هيلاري كيلنتون بينما كانت على متن طائرتها المتوجهة إلى اسطنبول، حيث عُقد آنذاك مؤتمر "مجموعة الاتصال حول ليبيا"، وكان عليها تطبيق هذه الأوامر فحسب، ضاربة عرض الحائط بالمقترحات التركية والفرنسية التي كان من المزمع نقاشها.
لاحقاً تم إبلاغ أعضاء "مجموعة الاتصال" بقرار البيت الأبيض، والذي يطلب فيه تحديد قيمة أموال الدولة الليبية وتحويلها إلى حسابات المجلس الوطني الليبي الانتقالي، كذلك وضع مقدرات القمر الصناعي نايل سات واستثمارات النفط الموجودة في المناطق التي يسيطر عليها الحلف، تحت سلطة المجلس الانتقالي، ليتسنى للأميركيين التصرف بها.
لتنفيذ عملية النصب هذه، طُلب من أعضاء "مجموعة الاتصال حول ليبيا"، الاعتراف بالمجلس الانتقالي كممثل وحيد للشعب الليبي بدلاً من النظام الليبي بزعامة معمر القذافي، وهكذا حصل بالفعل؛ كما رسم الأميركيون، كما تم إبلاغهم كذلك بأن هذه العملية ستكون تحت إدارة "الآلية الليبية لتبادل المعلومات"، التي أنشئت بشكل غامض. في المقابل، لم يتم إعطاء أي معلومات حول الوضع القانوني للمجلس الوطني الانتقالي، أو عن الآلية المتداولة. كل هذا يدفع إلى التفكير بأن البيت الأبيض يريد إنشاء كيان خاص يسهّل عليه عمليات السرقة والنهب؛ كما فُعل في العراق.
ففي بغداد، قامت واشنطن في البداية بإنشاء مكتب إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية، وتبين أن إنشاءه كان بناء على أمر رئاسي سري، وأنه كان يتبع للبنتاغون مباشرة، وكل الدلائل تشير إلى أنه سيتم عمل نفس الشيء مع ليبيا في ما يخص الآلية الليبية لتبادل المعلومات وإن كان مديرها رسمياً إيطالي. ففي العراق سيطرت الحكومة المؤقتة للتحالف على مكتب الإعمار الذي كان بمنزلة شركة خاصة، لكن أحداً لم يعلم إلى اليوم أين تم تسجيل الشركة أو المساهمين فيها، لكن ما يمكن إثباته أن الحكومة المؤقتة للتحالف الذي غزا العراق تولّت عملية نهب وسرقة منظمة للدولة العراقية، ولم يتم فك هذه الشركة إلا بعد أن أجبرت الحكومة العراقية الجديدة على التوقيع على سلسلة من القوانين المبهمة، التي تعطي للشركات متعددة الجنسية الحق في استغلال الدولة العراقية لمدة 99 عاماً، أي إطلاق يد الشركات الأميركية لتحقيق كل ما ترغب به، لذلك لن تكون مفاجأة أن يتم نهب بنغازي على يد الأميركيين، وليس الفرنسيين أو البريطانيين من قبل الآلية الليبية الجديدة.
ثروات ليبيا الجديدة
حالياً، تستعد ليبيا الجديدة لاستيعاب مئات الشركات والمستثمرين مع انفتاح الأبواب، فهذا البلد الغني بالنفط مازال يمتلك، وفق آخر الأرقام، أصولاً مهولة بالعملات الصعبة، تبلغ قيمتها نحو 168 مليار دولار، مما يعني توافر الثروة المالية لتنفيذ مشاريع من شأنها تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المحلي. ورغم أن ليبيا تتمتع بمساحة كبيرة، حيث تقدر بنحو 1.7 مليون كيلو متر مربع، أي المرتبة رقم 17 على مستوى العالم من الحجم، إلا أن عدد سكانها قليل، ما يعزز فرص الرخاء الاجتماعي في حال لم تذهب الثروات إلى جيوب أوروبية وأميركية.
وإلى جانب النفط، تتطلع العديد من الشركات الغربية إلى السباق نحو الدخول في مشاريع البنية التحتية، حيث باتت طرابلس على موعد جديد من الانفتاح الاقتصادي التنافسي، مع رغبة المستثمرين بالدخول إلى الأسواق المحلية، مع الإعلان عن تحرير جزء كبير من الأرصدة في الخارج.
وقد بدأت سلسلة الانفراجات لهذه الأموال بتحرير واشنطن بما لا يقل عن 1.5 مليار دولار من الأموال المجمدة لصالح المجلس الوطني الانتقالي الليبي، كما وافقت ألمانيا وهولندا على إقراض المجلس الوطني الانتقالي 100 مليون يورو (144 مليون دولار) لإعادة البناء، وقالتا إن تنفيذ الخطوة بانتظار قرار من الأمم المتحدة.
وقد أفادت أرقام منشورة إلى أن حجم الأموال الليبية المجمدة لدى الولايات المتحدة تكاد تقترب من 37 مليار دولار، وفي ألمانيا تبلغ 10.5 مليارات دولار، ونحو 19.8 مليار دولار في بريطانيا، أما في هولندا فتبلغ 4.3 مليارات دولار. ورغم حجم الأموال الضخمة، إلا أن أحداً لم يتطرق بعد إلى احتياطي الذهب الليبي، والذي يقدَّر بـ155 طناً، حيث تصنف ليبيا بالمرتبة الثالثة عربياً في المخزون من الذهب.
كما أن النفط ليس الثروة الوحيدة للشعب الليبي المهددة بالنهب والسلب، بل إلى جانبه هناك ثروة كبيرة ومهمة من الآثار التاريخية، التي تتعالى الأصوات لصيانتها ومنع اللصوص من السطو عليها في عتمة الفوضى الحاصلة في ليبيا خلال الفترة الانتقالية الحالية بعد سقوط نظام معمر القذافي.
وقد أصدرت الوكالة الدولية للثقافة والعلوم (اليونسكو) بياناً موجهاً إلى تجار التحف والآثار القديمة في العالم، تحذرهم من المتاجرة بالتحف الليبية التي يمكن أن يتم نهبها في ظل الفوضى التي تعم ليبيا حالياً. وقالت المديرة العامة لليونسكو؛ أيرينا بوكوفا، إن "ليبيا بتراثها القديم تمثل أهمية خاصة بالنسبة إلى الإنسانية جمعاء"، وأضافت أنها اتصلت بالسلطات المختصة في ليبيا والدول المجاورة لها من أجل العمل على منع نهب الأماكن الأثرية والمتاحف وتهريب محتوياتها إلى الخارج، على نحو شبيه بما حصل في العراق بعد سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
وقالت بوكوفا إن مواقع ليبيية عديدة تحتوي على تراث إنساني يعود تاريخه إلى 14 ألف سنة، من ضمنه الكثير من المغاور التي ما زالت تحتفظ برسوم بالغة القدم وآثار متبقية من المدن الرومانية وغيرها من الآثار التي لا تقدر بثمن.
أحد المواقع الذي توليه منظمة اليونيسكو اهتمامها في ليبيا هو موقع واحة غدامس، الواقعة على أطراف الصحراء الليبية، والتي يطلق عليها لقب "لؤلؤة الصحراء"، بالإضافة إلى موقع صبراتا الفنيقي القديم، الذي استخدم في قديم الزمان كحلقة وصل بين شمال أفريقيا وقلب القارة السوداء.
ويعيد الحديث عن نهب التحف والآثار الليبية إلى الأذهان وقوع هذه التحف ضحية لعملية نهب وقعت في خمسينات القرن الماضي، اقترفها جنديين بريطانيين كانا ضمن القوات البريطانية على الأراضي الليبية، خلال الفترة التي كانت ليبيا فيها محمية بريطانية بعد احتلال البريطانيين لها، وتحريرها من السيطرة الإيطالية والألمانية في معركة العلمين أثناء الحرب العالمية الثانية.
وكان برنامج تلفزيوني بريطاني كشف عام 2006 عن أن المتحف الوطني الليبي في طرابلس خال من الحراسة الأمنية الضرورية لمثل هذه الأماكن، وأن المتحف تعرض منذ عام 1988 إلى نحو 90 عملية سرقة، اختفت فيها مجموعة نادرة من التحف، وبيعت في العواصم الغربية.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]