أميركيون يجزمون: انتهت اسرائيل
جان عزيز
من النقاشات الدائرة في أميركا حالياً، ما مصير اسرائيل بعد «الربيع العربي»؟
المتفائلون اسرائيلياً، ينطلقون في شكل أساسي من معطيات الجغرا ــــ سياسة. يرسمون خارطة الكيان الصهيوني، ويروحون يفنّدون اطمئنانهم إلى حدوده: لم يعد هناك أي خطر خارجي على اسرائيل،
يقولون. في لبنان «دولة فاشلة»، مهدّدة بالانحلال أكثر فأكثر. حزب الله متجه تدريجياً نحو صراعات داخلية، سياسية ومذهبية، كافية لإرباكه وإشغاله عن حدودنا الشمالية. ما تبقى من «مقاومة تذكيرية» قد يقوم بها، قابل للاستيعاب في حدود إدارة أزمة عادية مع فوضى حدودية محصورة. في سوريا الوضع أفضل اسرائيلياً. التوازن الثابت في موازين القوى داخلياً وإقليمياً ودولياً، والذي تحرص اسرائيل على استدامته وإطالته إلى ما لا نهاية، كفيل بإنهاء سوريا كدولة وكمجتمع. بعدها قد نكون أمام أخطار هامشية هناك، من نوع فوضى الصوملة، أو احتمال خروج حركات غير منضبطة. لكنها ستظل مضبوطة. وسيظل الصراع «الجهادي» على خطوط التماس المذهبية حارساً أميناً لحدود الجولان المحتل. في الأردن لا وزن ولا حجم ولا تأثير لأي تطور هناك، قادراً على تهديد دولة اسرائيل. في حال استمر عبدالله على هشاشة نظامه، أو وصل الإسلاميون إلى الحكم ودخلوا في صراع قبلي، أو عاد «عبر النهر» إلى معادلة الوطن البديل، في أحسن الأحوال، بمساعدة من «بعض مشيخات النفط الخليجي»... في كل الأحوال لا مشكلة مع الأردن ولا خطر منه.
تبقى مصر والداخل. فحيال القاهرة يتطلع «اسرائيليو واشنطن» المفائلون بارتياح كبير. يسكنهم إعجاب هائل بمرسي و«الرئاسة الفعلية» خلفه، او قيادة «الإخوان». يرصدون حركتهم ونهمهم نحو السلطة باطمئنان. فهم مستعجلون متهافتون، وهذا ممتاز. بعد حادثة مقتل جنود مصريين على يد جهاديين في سيناء في 5 آب الماضي، سارع «الناطق باسم الرئاسة المصرية» إلى استثمار الحدث في غضون أسبوع، بإقالة طنطاوي وعنان، والإطباق على مزيد من السلطة. وبعد حرب غزة الأخيرة، النمط نفسه بعد يومين، في اتجاه القضاء المصري هذه المرة. أداء كهذا مطمئن لاسرائيل. فهو يكرس أن القضية المصرية المركزية باتت في مكان آخر. أحد الخبراء الأميركيين يتوقف ملياً عند مؤشر يعتبره «من ذهب»: حين زار مرسي أنقره في 30 أيلول الماضي، وقيل ان على هامش لقاءاته التركية بحثاً في إرسال قوات مصرية إلى سوريا لوأد الصراع في دمشق، يومها خرجت أصوات مصرية لافتة تعارض الفكرة وترفضها، وتعلن بالصوت الصارخ: لن نسمح بتكرار تجربة اليمن عام 1962، ولا بتجربة 1967، ولا حتى بتكرار تجربة 1948!! المصريون مع مرسي باتوا على قاعدة «مصر أولاً»، فلا قضايا مركزية ولا شعارات ولا قوميات... هكذا يفكر «المتفائلون» ويطمئنون. أما الداخل، فيقفلون نقاشه بشيء من مسار أوسلو، ها قد ولجته «حماس»، والكل سيشجعها على الاستمرار فيه، مهما كان الوقت اللازم لاجتيازه. الكل مصفّقون، من مرسي وحمد، إلى «14 آذار»...هكذا يصير الربيع العربي ربيعاً اسرائيلياً، في قراءة هؤلاء.
غير أن في واشنطن «رأياً اسرائيلياً» آخر أكثر قلقاً وخوفاً وتوجساً. هناك رأي يردد: هل تعرف أن ثلاثة اسرائيليين أحرقوا أنفسهم خلال الربيع العربي بالذات، رفضاً لدولتهم، وسعياً إلى ربيع اسرائيلي مواكب لحركات تحرر المحيط؟ حاولت الحكومة تخفيض الموازنات العسكرية لتعزيز الإنفاق الاجتماعي. رفضت المؤسسة العسكرية الخطوة، ما فاقم الأزمتين، اجتماعياً، كما بين العسكر وخارجهم. هل تعرف أن المجتمع اليهودي في اسرائيل بات «تعددياً» في شكل عامودي، وغير قابل للعيش المشترك؟ أكثر من مليون يهودي باتوا يعيشون خارج اسرائيل. ألمانيا نفسها، أرض الهولوكوست الأصلي، الذي أسس بصناعته الإعلامية لقيام اسرائيل، باتت تضم أكثر من ربع مليون يهودي. اسرائيل تنزف يهودها «الصهاينة العلمانيين» سنوياً. وتستعيض عنهم بمعدلات إنجاب اليهود الأرثوذكس الخيالية، حيث متوسط العائلة من «الحريديم» هو 7 أفراد. بعد أقل من عقدين سيكون هناك طرفان دينيان «جهاديان» قبالة بعضهما بعضاً، فتكون الكارثة الكبرى.
يتابع هؤلاء: ثم الأهم أن اسرائيل لم تصمد لأن محيطها ضعيف. بل لأن رعاتها الغربيين كانوا اقوياء. الآن أميركا تشيح بنظرها تدريجياً. بعد أقل من عقد لن تكون واشنطن بحاجة إلى نفط الخليج. كل استراتيجيتها تتغير حيال المنطقة. وبالأمس لم يكن تفصيلاً أن يقترع 70 في المئة من يهود أميركا لأوباما، فيما نتنياهو يخوض معركة رومني. الرابط اليهودي باسرائيل يضعف تدريجياً، وقد يتلاشى...
انتهت اسرائيل يقول هؤلاء. سقطت في الداخل، وسقطت في واشنطن. لم يعد ينقص لإعلان زوالها إلا أن تسقط عربياً. كيف؟ بقيام ليبرالية عصرية واحدة في أي بقعة بين المحيط والخليج.
جان عزيز
من النقاشات الدائرة في أميركا حالياً، ما مصير اسرائيل بعد «الربيع العربي»؟
المتفائلون اسرائيلياً، ينطلقون في شكل أساسي من معطيات الجغرا ــــ سياسة. يرسمون خارطة الكيان الصهيوني، ويروحون يفنّدون اطمئنانهم إلى حدوده: لم يعد هناك أي خطر خارجي على اسرائيل،
يقولون. في لبنان «دولة فاشلة»، مهدّدة بالانحلال أكثر فأكثر. حزب الله متجه تدريجياً نحو صراعات داخلية، سياسية ومذهبية، كافية لإرباكه وإشغاله عن حدودنا الشمالية. ما تبقى من «مقاومة تذكيرية» قد يقوم بها، قابل للاستيعاب في حدود إدارة أزمة عادية مع فوضى حدودية محصورة. في سوريا الوضع أفضل اسرائيلياً. التوازن الثابت في موازين القوى داخلياً وإقليمياً ودولياً، والذي تحرص اسرائيل على استدامته وإطالته إلى ما لا نهاية، كفيل بإنهاء سوريا كدولة وكمجتمع. بعدها قد نكون أمام أخطار هامشية هناك، من نوع فوضى الصوملة، أو احتمال خروج حركات غير منضبطة. لكنها ستظل مضبوطة. وسيظل الصراع «الجهادي» على خطوط التماس المذهبية حارساً أميناً لحدود الجولان المحتل. في الأردن لا وزن ولا حجم ولا تأثير لأي تطور هناك، قادراً على تهديد دولة اسرائيل. في حال استمر عبدالله على هشاشة نظامه، أو وصل الإسلاميون إلى الحكم ودخلوا في صراع قبلي، أو عاد «عبر النهر» إلى معادلة الوطن البديل، في أحسن الأحوال، بمساعدة من «بعض مشيخات النفط الخليجي»... في كل الأحوال لا مشكلة مع الأردن ولا خطر منه.
تبقى مصر والداخل. فحيال القاهرة يتطلع «اسرائيليو واشنطن» المفائلون بارتياح كبير. يسكنهم إعجاب هائل بمرسي و«الرئاسة الفعلية» خلفه، او قيادة «الإخوان». يرصدون حركتهم ونهمهم نحو السلطة باطمئنان. فهم مستعجلون متهافتون، وهذا ممتاز. بعد حادثة مقتل جنود مصريين على يد جهاديين في سيناء في 5 آب الماضي، سارع «الناطق باسم الرئاسة المصرية» إلى استثمار الحدث في غضون أسبوع، بإقالة طنطاوي وعنان، والإطباق على مزيد من السلطة. وبعد حرب غزة الأخيرة، النمط نفسه بعد يومين، في اتجاه القضاء المصري هذه المرة. أداء كهذا مطمئن لاسرائيل. فهو يكرس أن القضية المصرية المركزية باتت في مكان آخر. أحد الخبراء الأميركيين يتوقف ملياً عند مؤشر يعتبره «من ذهب»: حين زار مرسي أنقره في 30 أيلول الماضي، وقيل ان على هامش لقاءاته التركية بحثاً في إرسال قوات مصرية إلى سوريا لوأد الصراع في دمشق، يومها خرجت أصوات مصرية لافتة تعارض الفكرة وترفضها، وتعلن بالصوت الصارخ: لن نسمح بتكرار تجربة اليمن عام 1962، ولا بتجربة 1967، ولا حتى بتكرار تجربة 1948!! المصريون مع مرسي باتوا على قاعدة «مصر أولاً»، فلا قضايا مركزية ولا شعارات ولا قوميات... هكذا يفكر «المتفائلون» ويطمئنون. أما الداخل، فيقفلون نقاشه بشيء من مسار أوسلو، ها قد ولجته «حماس»، والكل سيشجعها على الاستمرار فيه، مهما كان الوقت اللازم لاجتيازه. الكل مصفّقون، من مرسي وحمد، إلى «14 آذار»...هكذا يصير الربيع العربي ربيعاً اسرائيلياً، في قراءة هؤلاء.
غير أن في واشنطن «رأياً اسرائيلياً» آخر أكثر قلقاً وخوفاً وتوجساً. هناك رأي يردد: هل تعرف أن ثلاثة اسرائيليين أحرقوا أنفسهم خلال الربيع العربي بالذات، رفضاً لدولتهم، وسعياً إلى ربيع اسرائيلي مواكب لحركات تحرر المحيط؟ حاولت الحكومة تخفيض الموازنات العسكرية لتعزيز الإنفاق الاجتماعي. رفضت المؤسسة العسكرية الخطوة، ما فاقم الأزمتين، اجتماعياً، كما بين العسكر وخارجهم. هل تعرف أن المجتمع اليهودي في اسرائيل بات «تعددياً» في شكل عامودي، وغير قابل للعيش المشترك؟ أكثر من مليون يهودي باتوا يعيشون خارج اسرائيل. ألمانيا نفسها، أرض الهولوكوست الأصلي، الذي أسس بصناعته الإعلامية لقيام اسرائيل، باتت تضم أكثر من ربع مليون يهودي. اسرائيل تنزف يهودها «الصهاينة العلمانيين» سنوياً. وتستعيض عنهم بمعدلات إنجاب اليهود الأرثوذكس الخيالية، حيث متوسط العائلة من «الحريديم» هو 7 أفراد. بعد أقل من عقدين سيكون هناك طرفان دينيان «جهاديان» قبالة بعضهما بعضاً، فتكون الكارثة الكبرى.
يتابع هؤلاء: ثم الأهم أن اسرائيل لم تصمد لأن محيطها ضعيف. بل لأن رعاتها الغربيين كانوا اقوياء. الآن أميركا تشيح بنظرها تدريجياً. بعد أقل من عقد لن تكون واشنطن بحاجة إلى نفط الخليج. كل استراتيجيتها تتغير حيال المنطقة. وبالأمس لم يكن تفصيلاً أن يقترع 70 في المئة من يهود أميركا لأوباما، فيما نتنياهو يخوض معركة رومني. الرابط اليهودي باسرائيل يضعف تدريجياً، وقد يتلاشى...
انتهت اسرائيل يقول هؤلاء. سقطت في الداخل، وسقطت في واشنطن. لم يعد ينقص لإعلان زوالها إلا أن تسقط عربياً. كيف؟ بقيام ليبرالية عصرية واحدة في أي بقعة بين المحيط والخليج.