[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]مخيم اليرموك.. احتلال تدمير ثم انسحاب تكتيكي ؟!
من نافل القول أن مخيم اليرموك منطقة محايدة في الصراع الدائر اليوم بسورية، ولم يشترك في القتال ضد هذا الطرف أو ذاك، وبقي كذلك حتى شهر تموز (يوليو) من العام الجاري حين بدأ بعض المتحاربين في استهدافه بالقذائف واستخدامه كملجأ للهاربين من مناطق القتال مع الجيش النظامي. المخيم كان على الحياد التزاماً بالموقف الفلسطيني العام الذي أعلن الحياد الايجابي والدعوة لوقف القتال واللجوء للحوار من أجل حل المشكلة السورية.
تفاقمت أوضاع المخيم تأثراً بمجريات القتال العنيف الذي كان يدور في كل المناطق المحيطة به حيث لا يمكن عزله عن هذا المحيط موضوعياً، غير أن العقلاء في المخيم عملوا بشكل حثيث على إبقاء المخيم بعيداً عن مجريات العنف والعنف المضاد وأن تكون تأثيرات الوقائع الدامية في أضيق نطاق وعلى مستوى منخفض، ونجح هؤلاء في الحفاظ على ذلك، بل واستقبل المخيم مئات الآلاف من النازحين الذين هربوا من المناطق المجاورة وحتى البعيدة ووفر لهم وسائل العيش الكريم في المساجد والمدارس وداخل بيوتهم.
المشكلة التي واجهناها في الشهر السابع غداة اغتيال القادة الأمنيين ووزير الدفاع السوري هي في حجم المقاتلين الهاربين من التضامن والحجر الأسود ويلدا إلى اليرموك ومنهم مسلحون وبعضهم بلا مرجعية قيادية ولا يتمتعون بسلوك منضبط. الإشاعات والتحريض المنظم والمواقف المسبقة من النظام عند بعض الناس لعبت دوراً في توتير أجواء المخيم ومع تزايد حالات الخطف والسرقة والاعتداءات على البيوت والحرمات وازدياد الضغط باتجاه إنتاج درع واقي للمخيم وفي ظل فشل الفصائل في الوصول لاتفاق على ذلك وتخوفها من نتائج الحماية الذاتية انفردت الجبهة الشعبية –القيادة العامة- بقرار تكوين اللجان الشعبية لحماية المخيم ومنع دخول المسلحين إليه، ولابد من القول بوضوح شديد أن ذلك كان أفضل ما نملكه وأشجع قرار تم اتخاذه ولو شارك الجميع في العمل لصيانة المخيم ما وقع الذي وقع خلال الأيام القليلة الماضية ولما كنا اليوم أمام حالة مأساوية سبق أن حذرنا من وقوعها حين انبرى البعض لنقد قرار تكوين اللجان الشعبية. إن معظم أهلنا اليوم مشردين في شوارع دمشق وخارجها بسبب دخول المسلحين وما يسموه بالجيش الحر لعمق المخيم بالقوة وبالإرهاب، وبات العالم كله يعرف أن من دخل مخيمنا ليس جميعهم سوريين، بل فيهم مجموعات جبهة النصرة الإرهابية وأغلب مقاتليها متطوعون من خارج سورية وتمولهم وتسلحهم الدول العميلة لأمريكا والعدو الصهيوني كقطر والسعودية.
اليوم بات المخيم بأيديهم ونجحوا في تحقيق "انتصار" وأي انتصار على مخيمنا فشردوا أهلنا الذين اتجه بعضهم للحدود اللبنانية وآخرون إلى الحدود الأردنية.
اليوم لابد أن يقول المرء الحقيقة كما هي وليس كما يحب أن يسمعها عامة الناس الذين يسهل خداعهم وتزييف وعيهم عبر إعلام مضلل ترعاه وتنفق عليه ببذخ دول الغاز والنفط وتوجهه الولايات المتحدة الأمريكية لتخريب أي فرصة للسير في الاتجاه الصحيح، الحقيقة التي تقول أن من تسبب في كل التشرد والقتل الذي جرى ويجري في اليرموك إنما هم هؤلاء المسلحين الذين يسمون أنفسهم أحياناً الجيش الحر وإصرارهم على الزج بالمخيم في أتون المعركة.
إن إدانتنا لقصف الطائرة الحربية النظامية لجامع عبد القادر وتحميل القيادة السورية مسؤولية ذلك والمطالبة بالتحقيق ومعاقبة الذين قاموا بذلك أو أصدروا الأمر به لا يلغي رؤيتنا الواضحة في السياق العام لما وصل إليه المخيم من دمار وخراب وتشريد مواطنيه وخاصة اللاجئين الفلسطينيين الذين وجدوا على مدار نكبتهم أشقاء في سورية يستقبلوهم ويوفرون لهم الأمن والأمان ودولة عربية تعاملهم بكرامة وبأفضل مما يتم التعامل معهم في كل الأقطار العربية، هذه الرؤية التي تقول بأن سبب كل ما يعاني منه المخيم والأهل فيه هم المسلحون المعارضون للنظام وعملهم منذ بداية الأزمة على أخذ الفلسطينيين في صفهم حتى لو بالقوة.
اليوم يحتل هؤلاء المخيم وهم يعلمون يقيناً أن الجيش النظامي لن يتركهم فيه لأنه منطقة حساسة ولو تمكن منه المعارضون المسلحون فسيكون قاعدتهم الرئيسية لاحتلال العاصمة والسيطرة عليها، ومن هنا يتساءل المرء لماذا دخل هؤلاء اليرموك ولم يبقوا على حوافه كما فعلوا طوال الأشهر الماضية؟. وللحقيقة وحتى لا يقال كلام لا تسنده الوقائع فإن اللجان الشعبية التي عملت على حماية المخيم لم تغادره نحو مناطق الجوار لقتال الجيش الحر بل العكس هو ما كان يقع حيث كنا نرى بأم أعيننا تلك المجموعات المسلحة وهي تدخل لتشتبك مع اللجان ومع الجيش النظامي حين كان متواجداً عند مداخل الحجر الأسود أو في التضامن ويلدا.
يعلمون أن المخيم سيتعرض للقصف العنيف بسبب وجودهم فيه وأن الجيش النظامي لن يتأخر في هذا وسيستخدم كل قوته من أجل دحرهم من المنطقة لأسباب عديدة وسيقوم بقصف تجمعاتهم في المخيم فلماذا يصرون على رفع بيارقهم في مخيم اللاجئين الفلسطينيين؟
هم يدمرون المخيم عن سابق تصميم ويعرفون النتائج سلفا ولن تنفع كل مبرراتهم في إقناع أي فلسطيني بأن احتلالهم للمخيم كان عملاً ثورياً أو أخوياً أو حتى فيه أي خدمة للشعب السوري وسعيه للإصلاح والتغيير.
سوف يقاتلون من زواريب المخيم وحاراته وسيقتل المزيد ويدمر المخيم وفي النهاية وبعد أن يعود المخيم خمسين سنة للوراء ينسحبون تحت العنوان المعتاد " انسحاب تكتيكي".
نتمنى عليهم أن ينسحبوا اليوم قبل الغد وتحت ذات العنوان وسنقدم لهم الشكر على ذلك. الشعب الفلسطيني يعتبر سورية بلده وكل السوريين أشقاءه فلا تخذلونا، ونرجو الله أن ينعم على سورية وشعبها الأبي بالسلام والأمان وتعود كما كانت دائماً قلب العروبة النابض.
الاعلامي احسان الجمل