درب أورشليم الكبير ...
حماس تخون إيران وسوريا
عندما وصل أمير دولة قطر، حمد، الى قطاع غزة على رأس وفد كبير يضم زوجته موزة، ورئيس وزرائه حمد –وهو شيخ وليس أميرا- استقبله رئيس حكومة حماس، إسماعيل هنية، ونظم حفلا كبيرا بهذه المناسبة. ووقف الرجلان جنبا إلى جنب عندما عـُزف النشيدان الوطنيان الفلسطيني والقطري. بالتأكيد، تم فرش سجاد احمر على شرفه، بعد ذلك استقبل حشد من مسؤولي حماس الأمير، منهم وزراء حكومة غزة وقيادي من الحركة في المنفى “صالح عروري” جاء إلى الأراضي الفلسطينية خصيصا لهذه المناسبة المجيدة جدا.
وبالإضافة إلى ذلك، صرح السيد طاهر النونو، المتحدث باسم رئيس حكومة حماس في غزة، الذي ابتلع لسانه عندما قرأ الولاءات للأمير الجديد، أن الزيارة كانت ذات أهمية سياسية كبيرة، لأنه أول زعيم عربي –بالأحرى “عارب” حسب اصطلاحاتنا(2)- لكسر الحصار السياسي
أطلقت صواريخ استبشار، بطبيعة الحال، في سماء غزة، المحاصرة منذ ألفية ونيّف على يد العسكرة الإسرائيلية والخيانة العربية.
في الشوارع، تعانقت آلاف الأعلام الفلسطينية والقطرية وعلقت صور عملاقة للشيخ حمد: “شكرا لقطر التي تصون وعودها”.. أو “مرحبا”.. يمكن أن نقرأها في لافتات على طول شارع صلاح الدين، في الأراضي الفلسطينية من الشمال إلى الجنوب.
وقال السيد هنية ان الأمير وافق على زيادة الاستثمار القطري من 254 الى 400 مليون دولار، وذلك خلال احتفال أقيم في خان يونس، بحضور الشيخ حمد، لوضع حجر الأساس لمشروع إسكان للأسر الفلسطينية المحرومة سيحمل ايضا اسم سعادته: حمد أو أمير دولة قطر.
لهذا التواجد الكلي لسعادته الذي سبق العملية العسكرية الإسرائيلية المسماة “دعامة الدفاع”، هذا التسارع المفاجئ للتأثير القطري في غزة، هذا الانتشاء من قادة حماس في معبر رفح الذي استثارته روح الاستبداد الظلامي العارب، صعود الأمير هذا في الوقت الذي ينحدر.. هذا الظهور في الوقت الذي يختبئ، هذا الصمت في حين يتحدث، هذا الضجيج بينما يصمت.. لم يكن ميزة طبع كما أعلن الامير ومتملقوه، ولا هلوسة جماعية، كم يقول ثالبوه، وليس مجرد خطأ في حسابات قادة حماس غداة خيانتهم البغيضة لسورية وإيران.
خيانة حماس لسورية وإيران
بدءا، إن ما افتقدته وسائل الإعلام “المقاومة” خلال الدورة الأخيرة من أعمال العنف في غزة هو الشجاعة ! ليس لشتم “عدوهم”، وهو هنا اسرائيل، بل الشجاعة لتشريح ما يسمى بـ”الحليف” عندما يتحول إلى دليلة، و “الحلف” معه شعرَ شمشون المشتهى(4). هذا ما لم تجرؤ وسائل الإعلام الموسومة بـالـ”مقاومة” على القيام به كرد فعل على خيانة حماس لسورية وإيران.
وعلاوة على ذلك، بعيدا عن ضجيج القذائف والصواريخ من كلا الجانبين، فرض سؤال بسيط جدا نفسه منذ اليوم الأول من العمليات العسكرية في غزة، لم يتكرم بالاجابة عنه اي من وسائل الإعلام العربية الـ”مقاومة” أو تلك التي لـ”إسرائيل”: أية بعوضة لسعت رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، حتى يعطي الضوء الأخضر لعملية عسكرية؟ بداية، بساطة سؤال كهذا، لا يستبعد صعوبة في الرد، في النهاية، وبـ”الاجابة” لا ننتظر، طبعا، هرجا اعلاميا أو مرجا، لا يؤدي الى تقديم حقائق موضوعية عن عملية كهذه أو “الإجابة” على السؤال المطروح. بعبارة أخرى، كل ما قيل، وكل ما نشر، وكل ما كان من وسائل الإعلام الإسرائيلية أو “أعدائهم”، الإعلام “المقاوم”، لا يشكل -من وجهة نظر تحليل الخطاب- أي مادة تحليلية لوقائع موضوعية، تفضي إلى عملية “عمود الدفاع”.. والخلاصة الوحيدة من الخطابين الإسرائيلي و”المقاوم” هو أن الطرفين سيطرا بشكل جيد خلال سير العمليات العسكرية، على فن الدعاية!
في الواقع، ومنذ بداية الحملة الامبريالية على سورية في مارس 2011، انزاحت حماس نحو معسكر ما يسمى “الثورة السورية” أو حتى الحرب الإمبريالية ضد سورية، بتبرير انتقال البندقية من كتف إلى أخرى”، وفقا لتعبير لبناني، كـ”خضوع لإرادة الشعوب العربية” في خضم ربيع العرب.
يكفي موازاة الزيارة التي قام بها رئيس وزراء حركة حماس الاسلامية الفلسطينية اسماعيل هنية الى القاهرة، يوم 24 فبراير 2012، عندما أشاد بما وصفه “سعي الشعب السوري الى الحرية والديمقراطية.
”أحيي شعب سورية البطل، الذي يتوق الى الحرية، الى الديمقراطية والى الإصلاح”، هكذا قال السيد هنية أمام حشد من مؤيديه تجمعوا في مسجد الأزهر، وذلك في تجمهر مخصص لـ”دعم المسجد الاقصى في القدس والشعب السوري”
ومن المهم أيضا أن نعرف أن أول زيارة رسمية لرئيس الوزراء هنية، خارج غزة، كانت للإخوان المسلمين في حارتهم العامة “المقطم”، بالقاهرة، حيث علق هناك بأن حماس حركة جهادية لـ”الإخوان المسلمين بوجه فلسطيني”.
وتحدث السيد هنية أمام حشد من أنصار الإخوان المسلمين الذين هتفوا “لا إيران ولا حزب الله”، “سورية إسلامية”، “ارحل بشار، ارحل ايها الجزار”، في حين ظل قداسته، السيد هنية، كأنما قـُدّ من الرخام وعلاوة على ذلك، تجب الاشارة إلى أن حماس ليست مجرد حركة اسلامية فلسطينية، ولكنها أيضا سليلة ايديولوجية دقيقة، هي فكر الإخوان المسلمين، أسوأ أعداء السلطة السياسية في سورية. مؤسسوها الثلاث: أحمد ياسين، عبد العزيز الرنتيسي، ومحمد طه هم ايضا من جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يفسر انقلاب قادة حماس على الرئيس بشار الاسد، مؤيد القضية الفلسطينية التاريخي، بعد أن تلقوا سنوات عدة دعما من سورية في مواجهة إسرائيل، ليتحولوا فجأة 180 درجة الى التموقع في المعسكر الآخر المعارض لدمشق، ويخونوها بالوقوف في صف تركية ومصر والإمارات والسلطنات العاربة في الخليج الفارسي، ويضعوا أنفسهم في تناقض مع “محور المقاومة”، أو القوس الشيعي، وفقا لمعجم العاربين والامبريالية العالمية.
حماس على درب الى اتفاق أوسلو 2
قبل كل شيء، وحسب عاموس هاريل، محلل صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فمنذ بداية العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، لم يكن لحماس ولا لإسرائيل مصلحة في في أن يتيها في مواجهة عسكرية تستمر طويلا، أو الارتهان من جديد في “مهزلة” مثل حرب غزة 2008- 2009. وبالإضافة إلى ذلك، أضاف هاريل أن تقييم الاستخبارات الإسرائيلية، المعد لمكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يفيد أن حماس تعتبر خارج المواجهة العسكرية، ولا مصلحة لها في التدخل. وقال ايضا انه كلما خـُيّرت حماس بين القيمة الفعلية للمقاومة والسلطة السياسية، اختارت الثانية دوما
مؤشرات عدة تقودنا الى الاستخلاص هنا أن حماس تتجه إلى “أوسلو” جديدة، تفضي الى الاعتراف بإسرائيل.
أولا، بالتخلي عن “محور المقاومة”، بخيانة سورية وإيران، بتلقي نعمة الروح القدس العارب، بالتموقع في معسكر ما يسمى “المعتدلين العرب” أي في حضن الحرب الإمبريالية ضد سورية.. تفتح حماس، في الواقع، بابا لـ”أوسلو” جديدة، من شأنها أن تؤدي إلى الاعتراف بإسرائيل، برعاية إمارة قطر هذه المرة. تؤكد ذلك الزيارة “لفخيمة” لسعادة امير قطر في غزة ، خصوصا بعد اعلان الأمير تقديم مساعدة قدرها 400 مليون دولار لغزة(10) وملياري دولار لمصر
ثانيا، هـَدَفَ اشراف مصر على اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وقطاع غزة، وخاتمتها المفاجئة، الى قطع الطريق –اولا- عن المنظمات الفلسطينية الأخرى التي تتبنى خيار المقاومة دوما، والتي لم تتورط حتى الآن في التحالف المقدس ضد سورية، مثل الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.وكتائب شهداء الاقصى المقربة من حركة فتح يضاف الى ذلك ان تدخل مصر وتسرّعها لإعلان وقف إطلاق النار يهدف أيضا إلى الحفاظ على سلطة حماس في غزة في مواجهة حركة الجهاد والجبهة الشعبية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن حماس لم تشارك في المناوشات التي سبقت اغتيال الجعبري بين إسرائيل من جهة والمنظمات الفلسطينية من جهة أخرى، وبأن مقاتلي حماس لم يطلقوا رصاصة واحدة ضد إسرائيل خلال المناوشات السابقة. لم يرد قادتها الانزلاق الى مواجهة مع إسرائيل، حتى لا تتضرر خطتهم المتضمنة الدخول تحت عباءة أمير قطر، حمد. في وقت لاحق، اضطرت حماس الى المشاركة في العمليات العسكرية فقط بعد اغتيال أحد قادتها، الجعبري، وإلا لكان المقلب فضائحيا!
ثالثا، عند اقرار وقف إطلاق النار في القاهرة ، لم تصدر عن زعيم حماس خالد مشعل أدنى إشارة إلى دور سورية أو جمهورية إيران الإسلامية في دعم القضية الفلسطينية خلال سنوات عديدة، وخاصة حماس، ما دفع بالأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، الى التلميح إلى جحود قادة حماس ونكرانها جميل إيران وسورية(12).
رابعا، “مفاجأة المفاجآت” التي حضرها لنا قادة حماس، كانت الفتوى الاخيرة التي تحظر، تكفيرًا، الهجمات ضد إسرائيل! إن من شأن فتوى مثل هذه إرساء أساس وشرعية دينية من اجل اتفاق سلام مستقبلي بين إسرائيل وحماس، وعلى ثلاثة مستويات: مستوى العلاقات مع إسرائيل، مستوى العلاقات بين الفلسطينيين مستوى العلاقات العربية العربية.
فتوى حماس المحرمة للعمليات العسكرية ضد إسرائيل
أولا، على مستوى العلاقات مع إسرائيل، فإن مثل هذه الفتوى تسهل، في المستقبل القريب، إعلان غزة ارضا “مستقلة”، ليس عن إسرائيل، ولكن عن الضفة الغربية، حيث يُمضي زعيم السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في رام الله بقية حياته في الكفاح -إذا جاز التعبير- مع سيمون بوليفار ضد الفراغ والملل، في مطاردة ذباب بطالته الشاقة الاخضر، في متاهاته. وبالإضافة إلى ذلك، تؤكد هذه الفتوى، قبل أي شيء آخر، حدود “فلسطين” وترسيمها! ليس فلسطين 1948، ولا فلسطين 1967، ولا حتى فلسطين 1992، بل نوع مصغر ومجهري من اي فلسطين كانت، تمتد على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط من شمال غزة إلى جنوب القطاع!
تهانينا حماس ! مادري دي ديوس، نوسترو سنيور(16)..
ثانيا، على المستوى الـ”بين-فلسطينيي”، فإن فتوى مثل تلك تحرم أي عمل عسكري ضد إسرائيل، تفرض، بذلك، حماس وكأنها السلطة العسكرية والسياسية والمدنية والدينية الوحيدة في غزة، التي من شأنها وحدها تقرير أمور اعلان الحرب أو تطبيع السلام مع إسرائيل. بيد أن “ارتقاء” حماس هذا الى مصاف الآلهة سيضفي الطابع الرسمي والمؤسساتي ليس فقط على قوتها في غزة بل أيضا على الانقسام الفلسطيني، ويعمل على تسريع إنشاء “كينونتين” اثنتين معزولتين ومنفصلتين عن بعضيها بإقليم إسرائيلي: إمارة حماس في غزة ومقاطعة منظمة التحرير الفلسطينية الضفة الغربية.
يا لها من مهزلة ! يا لها من مأساة ! كان الرب مع يسوع، حيث ذاع صيته في جميع أنحاء البلاد.
ثالثا، على المستوى العربي، تنشئ الفتوى إقرارا من جانب حماس، واضحا مثل سماء بيروت الزرقاء في عز يوليو، مشيرا إلى قطيعة تامة مع بقية الدول العربية التي لا تزال تقاوم التطبيع مع إسرائيل، ومؤكدا أن المقاومة لم تعد خيارا، في خسارة كبيرة لخطاب النصر عند متباسلي الاعلاميين الفلسطينيين المتشدقين وهؤلاء المنتمين الى ما يسمى اعلام الـ”مقاومة” غداة إعلان الهدنة بين إسرائيل وقطاع غزة.
كما حدث مع الحاج نصر الدين جحا عندما قطع الغصن الذي كان يجلس عليه..
فقد كان الحاج نصر الدين جحا جالسا على فرع كبير في شجرة كرز، منفرج الساقين، سراويله الفضفاضة وبرنوسه الأبيض الطويل يلفان خصره، وساقاه تتأرحجان من جانب إلى آخر كلما لامس فأسه.
ناداه صوت من الاسفل :
ـ سلام عليكم، حاج نصر الدين حجا أفندي!
قال الحاج نصر الدين جحا الجالس متوازنا على الغصن. وقد ضع فأسه وأصلح عمامته التي مالت على جانب:
- وعليكم السلام، خالد أفندي !
حذره خالد:
ـ ستسقط عن تلك الشجرة ! انظر كيف تجلس !
رد الحاج نصر الدين جحا:
ـ ستفعل حسنا لو ابصرت طريقك، إن الناس الذين يحدقون في رؤوس الأشجار والغيوم واثقون من طرق أصابع أقدامهم..
فجأة، وُجد الفرع على الارض، ثم الفأس، ثم الحاج نصرالدين جا. لقد كان منشغلا جدا عن ملاحظة انه كان يجلس على الجانب الخطأ من الفرع الذي كان كان آيلا للانكسار.
ختاما، يبدو أن مصير حماس بعد القطيعة مع سورية وإيران، وبعد تسرع قادتها في الدخول تحت عباءة أمير دولة قطر، ليس أقل مأساوية من مصير الملا الحاج نصر الدين جحا في شيء عندما قطع الغصن حيث كان يجلس، وبقطع جبهتها الخلفية – إيران وسورية- يجد قطاع غزة نفسه الآن ضحية لأمزجة ملوك إسرائيل.
الدكتورة فداء دكروب
دكتوراه في الدراسات الفرنسية (جامعة ويسترن أونتاريو، 2010):
ترجمة: خالدة مختار بوريجي
____[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
حماس تخون إيران وسوريا
عندما وصل أمير دولة قطر، حمد، الى قطاع غزة على رأس وفد كبير يضم زوجته موزة، ورئيس وزرائه حمد –وهو شيخ وليس أميرا- استقبله رئيس حكومة حماس، إسماعيل هنية، ونظم حفلا كبيرا بهذه المناسبة. ووقف الرجلان جنبا إلى جنب عندما عـُزف النشيدان الوطنيان الفلسطيني والقطري. بالتأكيد، تم فرش سجاد احمر على شرفه، بعد ذلك استقبل حشد من مسؤولي حماس الأمير، منهم وزراء حكومة غزة وقيادي من الحركة في المنفى “صالح عروري” جاء إلى الأراضي الفلسطينية خصيصا لهذه المناسبة المجيدة جدا.
وبالإضافة إلى ذلك، صرح السيد طاهر النونو، المتحدث باسم رئيس حكومة حماس في غزة، الذي ابتلع لسانه عندما قرأ الولاءات للأمير الجديد، أن الزيارة كانت ذات أهمية سياسية كبيرة، لأنه أول زعيم عربي –بالأحرى “عارب” حسب اصطلاحاتنا(2)- لكسر الحصار السياسي
أطلقت صواريخ استبشار، بطبيعة الحال، في سماء غزة، المحاصرة منذ ألفية ونيّف على يد العسكرة الإسرائيلية والخيانة العربية.
في الشوارع، تعانقت آلاف الأعلام الفلسطينية والقطرية وعلقت صور عملاقة للشيخ حمد: “شكرا لقطر التي تصون وعودها”.. أو “مرحبا”.. يمكن أن نقرأها في لافتات على طول شارع صلاح الدين، في الأراضي الفلسطينية من الشمال إلى الجنوب.
وقال السيد هنية ان الأمير وافق على زيادة الاستثمار القطري من 254 الى 400 مليون دولار، وذلك خلال احتفال أقيم في خان يونس، بحضور الشيخ حمد، لوضع حجر الأساس لمشروع إسكان للأسر الفلسطينية المحرومة سيحمل ايضا اسم سعادته: حمد أو أمير دولة قطر.
لهذا التواجد الكلي لسعادته الذي سبق العملية العسكرية الإسرائيلية المسماة “دعامة الدفاع”، هذا التسارع المفاجئ للتأثير القطري في غزة، هذا الانتشاء من قادة حماس في معبر رفح الذي استثارته روح الاستبداد الظلامي العارب، صعود الأمير هذا في الوقت الذي ينحدر.. هذا الظهور في الوقت الذي يختبئ، هذا الصمت في حين يتحدث، هذا الضجيج بينما يصمت.. لم يكن ميزة طبع كما أعلن الامير ومتملقوه، ولا هلوسة جماعية، كم يقول ثالبوه، وليس مجرد خطأ في حسابات قادة حماس غداة خيانتهم البغيضة لسورية وإيران.
خيانة حماس لسورية وإيران
بدءا، إن ما افتقدته وسائل الإعلام “المقاومة” خلال الدورة الأخيرة من أعمال العنف في غزة هو الشجاعة ! ليس لشتم “عدوهم”، وهو هنا اسرائيل، بل الشجاعة لتشريح ما يسمى بـ”الحليف” عندما يتحول إلى دليلة، و “الحلف” معه شعرَ شمشون المشتهى(4). هذا ما لم تجرؤ وسائل الإعلام الموسومة بـالـ”مقاومة” على القيام به كرد فعل على خيانة حماس لسورية وإيران.
وعلاوة على ذلك، بعيدا عن ضجيج القذائف والصواريخ من كلا الجانبين، فرض سؤال بسيط جدا نفسه منذ اليوم الأول من العمليات العسكرية في غزة، لم يتكرم بالاجابة عنه اي من وسائل الإعلام العربية الـ”مقاومة” أو تلك التي لـ”إسرائيل”: أية بعوضة لسعت رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، حتى يعطي الضوء الأخضر لعملية عسكرية؟ بداية، بساطة سؤال كهذا، لا يستبعد صعوبة في الرد، في النهاية، وبـ”الاجابة” لا ننتظر، طبعا، هرجا اعلاميا أو مرجا، لا يؤدي الى تقديم حقائق موضوعية عن عملية كهذه أو “الإجابة” على السؤال المطروح. بعبارة أخرى، كل ما قيل، وكل ما نشر، وكل ما كان من وسائل الإعلام الإسرائيلية أو “أعدائهم”، الإعلام “المقاوم”، لا يشكل -من وجهة نظر تحليل الخطاب- أي مادة تحليلية لوقائع موضوعية، تفضي إلى عملية “عمود الدفاع”.. والخلاصة الوحيدة من الخطابين الإسرائيلي و”المقاوم” هو أن الطرفين سيطرا بشكل جيد خلال سير العمليات العسكرية، على فن الدعاية!
في الواقع، ومنذ بداية الحملة الامبريالية على سورية في مارس 2011، انزاحت حماس نحو معسكر ما يسمى “الثورة السورية” أو حتى الحرب الإمبريالية ضد سورية، بتبرير انتقال البندقية من كتف إلى أخرى”، وفقا لتعبير لبناني، كـ”خضوع لإرادة الشعوب العربية” في خضم ربيع العرب.
يكفي موازاة الزيارة التي قام بها رئيس وزراء حركة حماس الاسلامية الفلسطينية اسماعيل هنية الى القاهرة، يوم 24 فبراير 2012، عندما أشاد بما وصفه “سعي الشعب السوري الى الحرية والديمقراطية.
”أحيي شعب سورية البطل، الذي يتوق الى الحرية، الى الديمقراطية والى الإصلاح”، هكذا قال السيد هنية أمام حشد من مؤيديه تجمعوا في مسجد الأزهر، وذلك في تجمهر مخصص لـ”دعم المسجد الاقصى في القدس والشعب السوري”
ومن المهم أيضا أن نعرف أن أول زيارة رسمية لرئيس الوزراء هنية، خارج غزة، كانت للإخوان المسلمين في حارتهم العامة “المقطم”، بالقاهرة، حيث علق هناك بأن حماس حركة جهادية لـ”الإخوان المسلمين بوجه فلسطيني”.
وتحدث السيد هنية أمام حشد من أنصار الإخوان المسلمين الذين هتفوا “لا إيران ولا حزب الله”، “سورية إسلامية”، “ارحل بشار، ارحل ايها الجزار”، في حين ظل قداسته، السيد هنية، كأنما قـُدّ من الرخام وعلاوة على ذلك، تجب الاشارة إلى أن حماس ليست مجرد حركة اسلامية فلسطينية، ولكنها أيضا سليلة ايديولوجية دقيقة، هي فكر الإخوان المسلمين، أسوأ أعداء السلطة السياسية في سورية. مؤسسوها الثلاث: أحمد ياسين، عبد العزيز الرنتيسي، ومحمد طه هم ايضا من جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يفسر انقلاب قادة حماس على الرئيس بشار الاسد، مؤيد القضية الفلسطينية التاريخي، بعد أن تلقوا سنوات عدة دعما من سورية في مواجهة إسرائيل، ليتحولوا فجأة 180 درجة الى التموقع في المعسكر الآخر المعارض لدمشق، ويخونوها بالوقوف في صف تركية ومصر والإمارات والسلطنات العاربة في الخليج الفارسي، ويضعوا أنفسهم في تناقض مع “محور المقاومة”، أو القوس الشيعي، وفقا لمعجم العاربين والامبريالية العالمية.
حماس على درب الى اتفاق أوسلو 2
قبل كل شيء، وحسب عاموس هاريل، محلل صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فمنذ بداية العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، لم يكن لحماس ولا لإسرائيل مصلحة في في أن يتيها في مواجهة عسكرية تستمر طويلا، أو الارتهان من جديد في “مهزلة” مثل حرب غزة 2008- 2009. وبالإضافة إلى ذلك، أضاف هاريل أن تقييم الاستخبارات الإسرائيلية، المعد لمكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يفيد أن حماس تعتبر خارج المواجهة العسكرية، ولا مصلحة لها في التدخل. وقال ايضا انه كلما خـُيّرت حماس بين القيمة الفعلية للمقاومة والسلطة السياسية، اختارت الثانية دوما
مؤشرات عدة تقودنا الى الاستخلاص هنا أن حماس تتجه إلى “أوسلو” جديدة، تفضي الى الاعتراف بإسرائيل.
أولا، بالتخلي عن “محور المقاومة”، بخيانة سورية وإيران، بتلقي نعمة الروح القدس العارب، بالتموقع في معسكر ما يسمى “المعتدلين العرب” أي في حضن الحرب الإمبريالية ضد سورية.. تفتح حماس، في الواقع، بابا لـ”أوسلو” جديدة، من شأنها أن تؤدي إلى الاعتراف بإسرائيل، برعاية إمارة قطر هذه المرة. تؤكد ذلك الزيارة “لفخيمة” لسعادة امير قطر في غزة ، خصوصا بعد اعلان الأمير تقديم مساعدة قدرها 400 مليون دولار لغزة(10) وملياري دولار لمصر
ثانيا، هـَدَفَ اشراف مصر على اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وقطاع غزة، وخاتمتها المفاجئة، الى قطع الطريق –اولا- عن المنظمات الفلسطينية الأخرى التي تتبنى خيار المقاومة دوما، والتي لم تتورط حتى الآن في التحالف المقدس ضد سورية، مثل الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.وكتائب شهداء الاقصى المقربة من حركة فتح يضاف الى ذلك ان تدخل مصر وتسرّعها لإعلان وقف إطلاق النار يهدف أيضا إلى الحفاظ على سلطة حماس في غزة في مواجهة حركة الجهاد والجبهة الشعبية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن حماس لم تشارك في المناوشات التي سبقت اغتيال الجعبري بين إسرائيل من جهة والمنظمات الفلسطينية من جهة أخرى، وبأن مقاتلي حماس لم يطلقوا رصاصة واحدة ضد إسرائيل خلال المناوشات السابقة. لم يرد قادتها الانزلاق الى مواجهة مع إسرائيل، حتى لا تتضرر خطتهم المتضمنة الدخول تحت عباءة أمير قطر، حمد. في وقت لاحق، اضطرت حماس الى المشاركة في العمليات العسكرية فقط بعد اغتيال أحد قادتها، الجعبري، وإلا لكان المقلب فضائحيا!
ثالثا، عند اقرار وقف إطلاق النار في القاهرة ، لم تصدر عن زعيم حماس خالد مشعل أدنى إشارة إلى دور سورية أو جمهورية إيران الإسلامية في دعم القضية الفلسطينية خلال سنوات عديدة، وخاصة حماس، ما دفع بالأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، الى التلميح إلى جحود قادة حماس ونكرانها جميل إيران وسورية(12).
رابعا، “مفاجأة المفاجآت” التي حضرها لنا قادة حماس، كانت الفتوى الاخيرة التي تحظر، تكفيرًا، الهجمات ضد إسرائيل! إن من شأن فتوى مثل هذه إرساء أساس وشرعية دينية من اجل اتفاق سلام مستقبلي بين إسرائيل وحماس، وعلى ثلاثة مستويات: مستوى العلاقات مع إسرائيل، مستوى العلاقات بين الفلسطينيين مستوى العلاقات العربية العربية.
فتوى حماس المحرمة للعمليات العسكرية ضد إسرائيل
أولا، على مستوى العلاقات مع إسرائيل، فإن مثل هذه الفتوى تسهل، في المستقبل القريب، إعلان غزة ارضا “مستقلة”، ليس عن إسرائيل، ولكن عن الضفة الغربية، حيث يُمضي زعيم السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في رام الله بقية حياته في الكفاح -إذا جاز التعبير- مع سيمون بوليفار ضد الفراغ والملل، في مطاردة ذباب بطالته الشاقة الاخضر، في متاهاته. وبالإضافة إلى ذلك، تؤكد هذه الفتوى، قبل أي شيء آخر، حدود “فلسطين” وترسيمها! ليس فلسطين 1948، ولا فلسطين 1967، ولا حتى فلسطين 1992، بل نوع مصغر ومجهري من اي فلسطين كانت، تمتد على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط من شمال غزة إلى جنوب القطاع!
تهانينا حماس ! مادري دي ديوس، نوسترو سنيور(16)..
ثانيا، على المستوى الـ”بين-فلسطينيي”، فإن فتوى مثل تلك تحرم أي عمل عسكري ضد إسرائيل، تفرض، بذلك، حماس وكأنها السلطة العسكرية والسياسية والمدنية والدينية الوحيدة في غزة، التي من شأنها وحدها تقرير أمور اعلان الحرب أو تطبيع السلام مع إسرائيل. بيد أن “ارتقاء” حماس هذا الى مصاف الآلهة سيضفي الطابع الرسمي والمؤسساتي ليس فقط على قوتها في غزة بل أيضا على الانقسام الفلسطيني، ويعمل على تسريع إنشاء “كينونتين” اثنتين معزولتين ومنفصلتين عن بعضيها بإقليم إسرائيلي: إمارة حماس في غزة ومقاطعة منظمة التحرير الفلسطينية الضفة الغربية.
يا لها من مهزلة ! يا لها من مأساة ! كان الرب مع يسوع، حيث ذاع صيته في جميع أنحاء البلاد.
ثالثا، على المستوى العربي، تنشئ الفتوى إقرارا من جانب حماس، واضحا مثل سماء بيروت الزرقاء في عز يوليو، مشيرا إلى قطيعة تامة مع بقية الدول العربية التي لا تزال تقاوم التطبيع مع إسرائيل، ومؤكدا أن المقاومة لم تعد خيارا، في خسارة كبيرة لخطاب النصر عند متباسلي الاعلاميين الفلسطينيين المتشدقين وهؤلاء المنتمين الى ما يسمى اعلام الـ”مقاومة” غداة إعلان الهدنة بين إسرائيل وقطاع غزة.
كما حدث مع الحاج نصر الدين جحا عندما قطع الغصن الذي كان يجلس عليه..
فقد كان الحاج نصر الدين جحا جالسا على فرع كبير في شجرة كرز، منفرج الساقين، سراويله الفضفاضة وبرنوسه الأبيض الطويل يلفان خصره، وساقاه تتأرحجان من جانب إلى آخر كلما لامس فأسه.
ناداه صوت من الاسفل :
ـ سلام عليكم، حاج نصر الدين حجا أفندي!
قال الحاج نصر الدين جحا الجالس متوازنا على الغصن. وقد ضع فأسه وأصلح عمامته التي مالت على جانب:
- وعليكم السلام، خالد أفندي !
حذره خالد:
ـ ستسقط عن تلك الشجرة ! انظر كيف تجلس !
رد الحاج نصر الدين جحا:
ـ ستفعل حسنا لو ابصرت طريقك، إن الناس الذين يحدقون في رؤوس الأشجار والغيوم واثقون من طرق أصابع أقدامهم..
فجأة، وُجد الفرع على الارض، ثم الفأس، ثم الحاج نصرالدين جا. لقد كان منشغلا جدا عن ملاحظة انه كان يجلس على الجانب الخطأ من الفرع الذي كان كان آيلا للانكسار.
ختاما، يبدو أن مصير حماس بعد القطيعة مع سورية وإيران، وبعد تسرع قادتها في الدخول تحت عباءة أمير دولة قطر، ليس أقل مأساوية من مصير الملا الحاج نصر الدين جحا في شيء عندما قطع الغصن حيث كان يجلس، وبقطع جبهتها الخلفية – إيران وسورية- يجد قطاع غزة نفسه الآن ضحية لأمزجة ملوك إسرائيل.
الدكتورة فداء دكروب
دكتوراه في الدراسات الفرنسية (جامعة ويسترن أونتاريو، 2010):
ترجمة: خالدة مختار بوريجي
____[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]