الكعبة المشرفة
الكعبة مربعة البنيان في وسط المسـجد، ارتفاعـها من الأرض سبـعة وعـشرون ذراعـا، وعرض وجهـها أربعـة وعشرون ذراعا، وهو الذي فيـه بابها، وعرض مؤخرها مثل ذلك، وعرض جدارها الذي يلي اليمن، وهو فيما بين الركن اليـمـاني والركن العـراقي، وهو الذي فـيـه الحـجر عشـرون ذراعا، وإلى وسـط هذا الجدار كـان يصلي النبي صلى الله عليه وسلم قـبل هـجـرته إلى المديـنة، وعـرض جـدارها الذي يلي الشام وهو الذي فـيـما بين الركن الشامي والركن الغـربي أحد وعشرون ذراعا، وميزاب الكعبـة على وسطه يسكب في الحـجر، ومن أصل هذا الجدار إلى أقصى الجدار ستـة عشر ذراعا، وعرض باب الحجر الشامي خمسة أذرع إلا شيء يسير، وعرض بابه الغربي ستـة أذرع إلا شيء يسير، وجدار الحـجر مدور من بابه الشـامي إلى بابه الغـربي كالطيلسـان وعرضـه ذراع، وارتفـاعه من الأرض أربعة أشـبار، والحجـر الأسود في الركن الـعراقي المقابل لزمـزم، وهو سبـعة أشبار من الأرض، وباب الكعبـة على أربعة أذرع من الأرض وعلوه ستـة أذرع، وعرضه أربعـة أذرع وما بين الباب والحجر الأسـود أربعة أذرع، ويسمى ذلك الموضع الملتزم، لأن رسـول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ مـن طوافه التزمه ودعا فـيه، ثم التـفت فرأى عمر فقـال: "هاهنا تسكب العبرات "
ومن الباب إلى مصلى آدم عليه السلام حين فرغ من طوافه وأنزل الله عليه التوبة سـبعـة أذرع وكان هناك موضع مقـام إبراهيم ، وصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- عنده حين فرغ من طوافه ركعتين، وأنزل الله عليه: واتخذُوا منْ مقام إبْراهيم مُصلى ثم نقله صلى الله عليه وسلم إلى الموضع الذي هو فيه الآن وذلك على عشرين ذراعـا من الكعبة, لئـلا ينقطع الطواف بـالمصلين خلفـه، أو يتـرك الناس الصلاة خلفه لأجل الطواف حين كثـر الناس، وليدور الصف حول الكعبة، ويري الإمام من وجهه، ثم حمله السيل في أيام عمر، وأخرجه من المسجد فأمر عمر برده إلى مـوضعه الـذي وضعه فـيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبين مـوضع الخلوق، (وهو مصلـى آدم عليـه السـلام) وبين الركن الشـامي ثمـانيـة أذرع، ومن الركن الشـامي إلى اللوح المرمـر المنقـوش في الحـجـر تسعـة أذرع، وفيما بين الحـجر إلى مقـام إبراهيم عليه السلام خمسة وعشرون ذراعـا، ويسمي ذلك(الحطيم) لأنه يحطم الذنوب أي يسقطها، وقيل لأنه حطم من البـيت، وقيل لأن من حلف هـناك كاذبا انحـطم دينه ودنياه، ومـا بين الركن العراقي وهو الذي فـيه الحـجر الأسود إلى مصلي النبي -صلى الله عليه وسلم- قـبل هجـرته إلى المدينة عشرة أذرع، وكان يستقـبل بيت المقدس ويجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، ولهذا لم يبن توجـهه إلى بيت المقـدس إلا لما هاجر إلى المدينـة، وبين الركن اليمـاني وبين المسدود في ظهر الكعبة أربعة أذرع، ويسمي ذلك الموضع (المسـتجـار من الذنوب) وعـرض الباب خـمسـة أذرع، وارتفاعـه سبعة أذرع، وبـينه وبين الركن الغربي ثلاثة عـشر ذراعـا، وبين الركن الغـربي وآخـر قواعـد إبراهيم - وهناك اللوح المرمر المنقوش - أزيد من سبـعة أذرع وإلى هناك بناء ابن الزبيـر، وقد قدمـنا أن ارتفاع الكعبة سبعة وعشرون ذراعا.
بنيت الكعبة في الدهر خمس مرات...
الأولى: بناء الملائكة، وآدم على ما تقدم.
الثانية: بناء إبراهيم.
الثالثة: بناء قريـش، والسبب في ذلك أن الكعـبة استـهدمت وكانت فوق القامة وأرادوا تعليتها، وكان بابها لاصـقا بالأرض في عهـد إبراهيم وعهـد جرهم، إلى أن بنتـها قريش، فـقال أبو حـذيفة بن المغـيرة: يا قوم: ارفعوا باب الكعبة حتى لا يدخلها أحد إلا بسلم، فإنه لا يدخلها حينئـذ إلا من أردتم، فإن جاء أحد ممن تكرهونه رميتم به فسقط، وصار نكالا لمن يراه. فرفعت بابها وجعلت لهـا سقـفا، ولم يكن لهـا سقف، وزادت ارتفاعها كما تقدم، وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك خمسا وعـشرين سنة، وقيل: خمسا وثـلاثين، فحضر البناء، وكـان ينقـل الحـجـارة مـعـهم كـمـا ثبت في الصحيح، وتنافـست قريش فيمن يضع الحـجر الأسود موضعه من الركن، ثم رضوا بأن يضعه النبي صلى الله عليه وسلم .
الرابعة: بناء عبـد الله بن الزبير، والسـبب في ذلك على ما ذكر السـهيلي أن امرأة أرادت أن تجمـر الكعبة، فطارت شـرارة من المجمـرة في أستارها فـاحتـرقت، وقيل: طارت شرارة من أبي قبيس فوقعت في أستار الكعـبة فاحـترقت، فـشاور ابن الزبـير من حضـره في هدمهـا فهـابوا ذلك، وقالوا: نرى أن يصلح ما وهى منها ولا تهـدم. فقـال: لو أن بيت أحدكم احـترق لم يرض له إلا بأكمل إصـلاح، ولا يكمل إصلاحـها إلا بهدمـها، فـهدمـها حتـى أفضي إلى قواعـد إبراهيم، فأمرهم أن يزيدوا في الحفر، فحـركوا حجرا منها فرأوا لجته نارا وهو ما أفزعهم، فبنوا على القواعد
وحكى أبو الوليـد الأزرقي أنه لما عزم على هدمـها، خرج أهل مكة إلى منى، فأقاموا بها ثلاثا خوفا أن ينزل عليهم عـذاب لهدمهـا، فأمر ابن الزبير بهدمها، فـما اجتـرأ على ذلك أحد، فـعلاها بنفـسه، وأخـذ المعول وجعل يهدمها ويرمي أحجارها، فلما رأوا أنه لا يصيبه شيء صعدوا وهدموا، ، وكساها القباطي، وقال: من كـانت لي عليه طاعة فليـخرج فليعتـمر من التنعيم، ومن قدر أن ينحر بـدنه فليفعل، ومن لم يقدر فليذبح شـاة، ومن لم يقدر عليهـا فليتصدق بوسـعه. وخرج ابن الزبير ماشيا وخرج الناس مشاة فاعتمروا من التنعيم شكرا لله تعـالى، فلم ير يوم أكثر عتـيقا وبدنة منحورة وشـاة مذبوحة وصدقة من ذلك الـيوم، ونحر ابن الزبير مائة بدنة.
الخامسة: الموجود الآن والذي هدمه الحجاج هو الزيادة وحدها، وأعاد الركنين، وسد البـاب الذي فتحه ابن الزبير، وسده واضح إلى الآن، وجـعل في الحجر من البيت دون سـبعة أذرع.
وقيل أن الكعبة بنيت مرتين آخـرتين غير الخمس، إحداهما بناء العمالقة بعد إبراهيم، والثانية بناء جرهم بعد العمالقة.
قال السهيلي: إنما كان ذلك إصلاحا لما وهى منه، لأن السيل قد صدع حائطه، وكـانت الكعبة بعد إبراهيم عليه السلام مع العمـالقة وجرهم إلى أن انقرضـوا، وخلفتهم فيها قـريش بعد استيلائهم على الحـرم لكثرتهم بعد القلة وعزهم بعد الذلة، وكان أول من جدد بناءها بعد إبراهيم قصي بن كلاب وسقفها بخشب الدوم وجريد النخل.
وأما الرواق المحيط بالكعبة: فله سـقفين أحدهمـا فوق الآخر، وبينهما فرجة قـدر الذراعين أو نحوهما، فأما الأعلى منه فرش بالدوم اليماني، وأمـا الأسفل منهما، فهو مسقوف بالساج مزخرف بالذهب، وعدد أساطينه أربع مـائة وأربع وثمانون اسطوانة، بين كـل اسطوانتين سـتـة أذرع، مـنهـا إلى الجانب الشـرقي الذي يلي المسعى مـائة اسطوانة وثلاث أسـاطين، وفي الجانب الشـمـالي مما يلي الصـفا مـائة اسطوانة وإحدى وأربعون اسطوانة، وفي الجانب الغربي مائـة اسطوانة وخمس أساطين، وفي الجانب الشـامي الذي فـيه دار الندوة مـائة وخـمس وثلاثون اسطوانة، وفي وسط هذا الشق أو نحوه الذي يلي المسـجد خمس أساطين، ذكر أنها كانت ليـهودية، فسامها النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها فأبت بيعها إلا بوزنها ذهبا، ففعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، فوضـعت في ميزان ووضع مثـقال واحد فرجح المثـقال ببركـة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، منها على باب المسجد اثـنتان وعـشرون، ومن ناحـية، المسـجد ست، ومن ناحيـة الوادي والصفا عشر، ومن ناحية بني جمح أربع، ومن ناحيـة دار الندوة اثنتان وفي دار الندوة سوى مـا ذكرناه سـبع وستـون اسطوانة بالحـجارة مبيضة وطول كل اسطوانة منـهـا عـشرة أذرع وتدويرها ثلاثة أذرع، وطول مـا بين كل اسطوانـتين سـتـة أذرع ونصف، وعدد طاقاته - وهي الحنايا المعـقودة على الأساطين أربع مائة طاق وثمـان وتسـعون طـاقا، سـوى مـا في دار الندوة، وذرع المسجد الحرام من باب بني جمح إلى باب العبـاس الذي عند العلم الأخـضر - ويعرف ببـاب بني هاشم - أربع مائة ذراع وأربعة أذرع، وعرضه ما بين دار الندوة إلى باب الصف ثلاثمائة ذراع وأربعة أذرع، وذرع ما بين وسط جدار الكعبة الشرقي الذي يلي المسعى مائتا ذراع وثلاثة عشر ذراعا ومن وسط جـدار الكعبة الغربي إلى جدار المسجد الغربي الذي يلي بني جمح مائة ذراع وتسعة وتسعون ذراعا، ومن وسط جدار الكعبة الجنوبي إلى جـدار المسـجد الذي يلي الـوادي مائة ذراع وأحـد وأربعون ذراعا، ومن وسط جدار الكعـبة الشمالي الذي يلي الحجر إلى جدار المسـجد الذي يلي دار الندوة مائة ذراع وتسعة وثلاثون ذراعا، ومن ركن الكعبة العراقي - ويقال له الشامي - إلى المنـارة التي تلي المروة مائتا ذراع وأربعة وستون ذراعا، ومن ركن الكعبة الشامي - ويقال له الغـربي - إلى المنارة التي تلي باب بني سـهم - وهو باب العمرة - مائتا ذراع وثمانية عشر ذراعا، ومن الركن اليماني إلى المنارة التي تلي أجياد الكبرى وبين الحزورة مائتا ذراع وثمـانية أذرع، ومن الركن الأسود إلى المنارة مستمرة تلي المسعى والوادي من ناحـية الصفا مائتا ذراع وثمانية وعشرون ذراعـا، وارتفاع جداره إلى السماء مما يلي المسعى ثمانية عشر ذراعا، ومما يلي الوادي والصفا اثنان وعشرون ذراعا ومما يلي بـني جمح اثنان وعشرون ذراعا، ومما يلي دار الندوة سـبعة عشـر ذراعا ونصف، وعـدد شرفـاته من داخله وخارجـه أربع مائة وخـمس وتسعـون شرفة، من خارجـه، وعددها من داخله أربع مائة وثمان وتسعون شرافة فجميعها ألف شرافة إلا سبع شرفات .