داعش ورهان الفوضى الهدامة
خالد أوباعمر
الأحد 22 يونيو 2014
نشرت عدة مواقع إلكترونية مغربية بشكل متسرع وغير مهني خبرا يفيد بأن تقريرا أمريكيا صادرا عن وزارة الخارجية الأمريكية اتهم شخصيات سياسية ودعوية وعلمية وأكاديمية تنتمي إلى 31 دولة بدعم ما يسمى بدولة الإسلام بالشام والعراق المعروفة اختصارا بــــ"داعش" .
الشخصيات المغربية، التي أشير إلى أسمائها في التقرير الأمريكي المزعوم، ضمت كل من: الدكتور أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح ونائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والفقيه عبد الباري الزمزمي، والدكتور عبد الحي عمور، ومحمدالحبيب التجكاني، ومحمد الروكي، ومحمد يتيم رئيس الإتحاد الوطني للشغل.
المواقع التي سلطت الضوء على مضامين هذا التقرير المزعوم لم يقم أي موقع منها بإرفاق مادته الخبرية بنص التقرير المنسوب لوزارة الخارجية الأمريكية، وهذا دليل قاطع، على أن هذه المواقع تفتقد إلى أبسط أبجديات العمل الصحفي المهني الذي يستوجب عليها من الناحيتين المهنية والأخلاقية تحري المعلومة وتدقيق مصدرها.
التقارير في الولايات المتحدة الأمريكية، أمنية كانت أم بحثية أم استخباراتية، تقارير لا تصدر عن جهات غير معلومة " أشباح" بل تصدر في غالب الأحيان، إما عن مؤسسات رسمية مثل وزارة الخارجية أو الكونغريس الأمريكي، وإما عن مراكز دراسات وأبحاث إستراتيجية متخصصة، لها مقر معروف وموقع خاص وإدارة مسؤولة.
من الغباء الإعلامي والصحفي أن تسارع الجرائد والمواقع الإلكترونية بشكل متهافت إلى نشر أخبار مزعومة دون أن تتحرى في مضمونها ومصادرها مع العلم أن هذه الأخبار لا تخلوا من اتهامات خطيرة موجهة ضد أشخاص طبيعيين لهم موقعهم السياسي والديني في بلدانهم كما هو الشأن مثلا لمحمد يتيم وأحمد الريسوني..
ما الذي منع المواقع الإلكترونية التي سارعت إلى نشر الخبر من ربط الاتصال بالسفارة الأمريكية في الرباط للتحقق من صحة المعلومة التي توفرت لديها مادام أن التقرير المزعوم قد نسب إلى وزارة الخارجية الأمريكية؟ ما الذي منعها من أخد نفس صغير للتحقق من مدى مهنية الموقع الإلكتروني اليمني الذي نشر الخبر لأول مرة؟ لماذا هذا التهافت/اللهطة على نشر الأخبار دون الأخذ بعين الاعتبار أبسط قواعد العمل الصحفي الجاد والمسؤول؟
التقرير المزعوم الذي تحدثت عنه المواقع المتهافتة، لا أثر له في الواقع، وصمت السفارة الأمريكية في المغرب وعدم تعليقها على ما نشر إلى حدود الآن، ليس له ما يبرره، لاسيما، وأن التقرير المزعوم نسب إلى الولايات المتحدة الأمريكية. كما أن مضامينه تتحدث عن وجود علاقة دعم وتأطير شرعي، بين عدد من الأكاديميين والفقهاء والعلماء في أكثر من 31 دولة، وبين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا المعروفة اختصارا بـــ" داعش"؟
ماهو موقف السفارة الأمريكية في المغرب من التقرير المنسوب للولايات المتحدة الأمريكية على خلفية الخبر الذي تم الترويج له في المغرب نقلا عن موقع يمني؟ ما مدى صحة المعطيات الواردة في هذا التقرير الذي تضمن أسماء بارزة من المغرب؟
من غير المستبعد، أن يكون وراء ترويج مثل هذه التقارير المزعومة جهات استخبارية، تسعى إلى خلط الأوراق، وبلبلة الرأي العام ، وتزييف وعي المجتمعات بكليشيهات جاهزة عن تنظيمات جهادية متطرفة ومشكوك فيها وفي سياق بروزها للعلن وفي الجهات المحتضنة أو الداعمة لها بالمال والمقاتلين والعتاد..
وحتى إذا افترضنا جدلا أن التقرير المزعوم صادر بالفعل عن وزارة الخارجية الأمريكية، فإن سوابق بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في العراق على سبيل المثال لا الحصر، تؤكد بأن عدد من التقارير التي كانت تصدر عن مراكز لها علاقة بهذه الدول كانت في أغلبها كاذبة ومبنية على افتراءات انكشفت حقيقتها فيما بعد.
فمن أجل احتلال العراق وتدميره واستغلال خيراته ونهب ثرواته النفطية والأثرية النفيسة، روجت الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا، العشرات من الافتراءات لتسويغ عدوانهما على العراق بمبرر أسلحة الدمار الشامل نذكر من ضمنها لكل غاية مفيدة لقارئ هذا المقال ما يلي:
1 إن نظام صدام حسين خطير ويزداد خطورة " خطاب بوش أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمر 2002
2 صدام حسين انتهك 16 عشر قرارا لمجلس الأمن " وثيقة البيت الأبيض المعنونة بــ" عقد من الخدع والتحدي"
3 كان صدام يمتلك برنامجا للتسلح النووي قبل حرب الخليج، وهو مستمر في العمل على تطوير سلاح نووي
بمقدور صدام أن يصنع قنبلة نووية خلال شهور معدودة إذا ما تمكن من الحصول على مواد انشطارية " تقرير صادر في سبتمبر 2002 عن المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية"
5 العراق يجري بحثا في الأسواق الدولية لشاء مواد تساعده في تصنيع قنبلة نووية حيث حاول شراء الآلاف من أنابيب الألمنيوم ذات مواصفات خاصة تستخدم لبناء معدات الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم.
6 العراق يمتلك خبرة فنية وبنيات تحتية لبناء السلاح النووي
7 في 12 سبتمبر 2002 أيضا أصدرت الحكومة البريطانية ملفا رسميا بعنوان " أسلحة الدمار الشامل العراقية- تقويم الحكومة البريطانية" تضمن تقديما بقلم توني بلير
8 العراق يمتلك قدرات يمكن إعادة استخدامها في مجال الأسلحة الكيماوية والبيولوجية خلافا لنصوص القرار 687 لسنة1991
9 صدام مستمر في إعطاء أهمية كبيرة لامتلاك أسلحة الدمار الشامل وامتلاك الصواريخ للهيمنة الإقليمية
10 العراق مستمر في تطوير الأسلحة النووية ويخرق معاهدة انتشار الأسلحة النووية وقرار مجلس الأمن 678 كما سعى إلى شراء مقادير من اليورانيوم من إفريقيا دون أن يمتلك برنامجا نوويا سلميا يبرر ذلك
11 يمتلك العراق عددا من صواريخ سكود المطورة التي يمكن أن تطال قبرص وشرق تركيا وطهران وإسرائيل
12 الخطط العسكرية العراقية تتضمن استخدام الأسلحة الكيماوية والبيلوجية في أي حرب مقبلة
13 بمقدور القوات المسلحة العراقية استخدام السلاح الكيميائي والبيولوجي..
على أساس هذه الافتراءات، تمكن الكونغريس الأمريكي في 7 أكتوبر 2002، من تفويض الرئيس جورج بوش بأغلبية كبيرة من أعضاء هذا المجلس، شن هجوم عسكري على العراق، وهو الهجوم الذي كان مسبوقا بتواطؤ الوكالة الدولية للطاقة الدرية التي أوردت في تقريرها الذي رفعه محمد البرادعي إلى مجلس الأمن، ما يلي:
" هذه الأمور والمسائل المقلقة المتبقية، ذات علاقة بالتقدم الذي كان قد تم بخصوص تصميم السلاح النووي بسبب عدم وجود بعض الوثائق، وبسبب عدم التعرف على مدى المساعدة الأجنبية في ذلك المجال، وعدم وجود دليل على أن العراق قد تخلى عن برنامجه النووي". ماذا كانت النتيجة ؟
لقد تم احتلال العراق، وأسقط نظام صدام حسين، وجاء الحاكم المدني الأمريكي "بول بريمر" فوضع أسس الطائفية في البلاد ورتب إجراءات إعدام صدام حسين بتنسيق مع الإيرانيين، ودخلت القاعدة على الخط فساحت شلالات الدم في البلاد. ماذا كانت الحصيلة؟
1 سقوط ملايين العراقيين بين قتلى وجرحى ومعطوبين،
2 ترميل آلاف النساء وتيتيم أطفالهم،
3 تخريب منشآت البلد الحيوية،
4 توزيع عقود امتياز لشركات كبرى تشتغل في مجال النفط
5 سرقة التحف والآثار النفيسة التي يعود تاريخها إلى حضارات قديمة،
6 قتل العلماء وتخريب البنيات التعليمية وتصفية الأساتذة الجامعيين والخبراء،
7 عقد صفقات سرية مع إيران لتفويت الحكم في العراق لعملائها في جماعة الدعوة،
8 تهجير السنة وقتلهم وطردهم من أحياء العاصمة بغداد ومصادرة ممتلكاتهم وبيوتهم وترويع نسائهم وشيوخهم وأطفالهم..
اليوم، هناك معادلة جديدة على الأرض العراقية، عنوانها الأبرز هذه المرة هو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" وهي صيغة تؤسس لمرحلة ما بعد القاعدة التي تم استعمالها من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها لأكثر من عقد من الزمن لإحكام هيمنتها وسيطرتها على العالم ولشرعنة تدخلاتها الدولية في عدة بؤر دولية في إطار مشروع محاربة الإرهاب الذي تصدر أولويات السياسة الخارجية الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.
ما يجري حاليا في العراق، من أحداث وتحولات متسارعة، مجرد فصل آخر من فصول اللعبة الاستخباراتية الدولية القدرة التي حكمت على العراق أن يبقى ساحة مفتوحة للاقتتال الطائفي عن طريق الوكالة بين المشروع الصفوي الإيراني، والمشروع الوهابي السعودي، خدمة لأهداف المشروع "الأمريكو صهيوني" في المنطقة. إنه فصل جديد في استراتيجة الفوضى الهدامة التي تتبعها الإدارة الأمريكية لتقسيم المقسم وتجزيء المجزأ وتسعير نار الفتنة الطائفية لتمزيق الوحدة العربية والإسلامية حفاظا على مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني.
ما يحدث في بلاد الرافدين غير مفصول عما يجري في المنطقة برمتها.. وتحرك ما يسمى بتنظيم "داعش" في الجبهتين السورية والعراقية لا يخرج في أهدافه عن إطار حرب الاستنزاف التي تخوضها التنظيمات الجهادية والبعثية في العراق من أجل محاصرة التغول أو المد الإيراني في كل من لبنان من خلال حزب الله، وسوريا من خلال بشار الأسد، والعراق من خلال جماعة الدعوة ممثلة في نوري المالكي.
في ظل هذا الوضع، تتعامل الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها بريطانيا وشركائهما الأوربيين بطريقة انتهازية مع الأوضاع في الشرق الأوسط. طريقة لا تخرج في مراميها عن نطاق تسعير نار الطائفية بين السنة والشيعة لبلقنة المنطقة وفرض "سايكس بيكو" آخر لتنزيل مشروع الشرق الأوسطي الجديد بكل أبعاده الجيو استراتيجة.
عندما أرادوا احتلال العراق، وإسقاط نظام صدام حسين والقضاء عليه، افتعلوا عشرات المبررات، وصنعوا التقارير والملفات على مقاسهم الخاص، وجيشوا الوكالات والمنظمات الدولية وفق ما يخدم مصالحهم...
لهذا فتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف اختصارا بـــ "داعش" لن يكون في المرحلة الراهنة إلا ذلك الجسر الذي سيمرون عليه من أجل العودة مرة ثانية إلى العراق لإعادة رسم خريطة المنطقة على مقاسات جديدة تضاف إلى مقاسات الحاكم المدني "بول بريمر" الذي أسس للطائفية في العراق.
تصريحات القادة الأمريكيون والبريطانيون والإيرانيون عن تطورات الأوضاع في العراق ومحاولة اختزال خطورة هذه الأوضاع فيما يقوم به تنظيم" داعش"، تصريحات خادعة، وتخفي وجود صحوة ثورية حقيقية، يقودها ضباط وجنود من جيش صدام حسين رفقة مليشيات عشائرية سنية لها ارتباط بجماعات إسلامية غير بعيدة عن العملية السياسية في بلاد الرافدين.
ما يقع في العراق حسب تقديري الشخصي عبارة عن تحالف ثوري بين تنظيمات بعثية وأخرى إسلامية وفق أهداف مشتركة لا تخرج عن إطار وضع حد للتغول الإيراني في البلاد. كما أن أشرطة الفيديو التي يتم ترويجها على نطاق واسع، والتي توثق لعمليات الذبح والإعدام رميا بالرصاص لعدد كبير من الأسرى بشكل بربري، أشرطة مدانة ومرفوضة، حتى وإن كان البعض يدخلها في نطاق الخدع الحربية، التي يكون فيها للعامل النفسي دورا كبيرا في ربح المعركة.
لكن مع كل ذلك فإن ترويج تلك الأشرطة يمكن تفسيره من وجهة نظري المتواضعة بمسألتين:
1 إما أن الغاية من نشرها هي خلق حالة من الرعب في نفوس قوات الجيش والشرطة والمواطن العراقي الشيعي لإرباك حكومة نوري المالكي وبعثرة أوراقها في حكم البلاد
2 وإما أن الأشرطة مخدومة ومصنوعة من طرف جهات مخابراتية للإساءة إلى الإسلام السني أو لإلصاق تهمة الإرهاب بالثوار العراقيين لشرعنة أي تدخل عسكري دولي في العراق..
اختزال ما يقع من تطورات للأوضاع في العراق في الأعمال الإرهابية المنسوبة لما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق " داعش"، أمر غير مطابق للواقع الحقيقي في بلاد الرافدين، وهو الواقع الذي يمكن استقراءه من خلال عدة مؤشرات. كما أنها " عملية الإختزال" تؤشر على الرغبة الغربية بقيادة أمريكا وبريطانيا في العودة للتدخل من جديد في العراق بأهداف إستراتيجية أخرى، وهو الأمر الذي يمكن أن نستشفه من خلال الدعوة التي وجهتها حكومة نوري المالكي للأمريكيين في غياب أي تحفظ إيراني، من أجل إضفاء الشرعية على التدخل المرتقب للامريكيين، بناء على طلب الحكومة الشرعية !!!