نافذة علـى ثقافـات العـالم
زكريا أحمد
نطل من هذه النافذة على بعض تفاصيل المشهد الثقافي العالمي، وهي التفاصيل التي يندر أن تلتفت إليها الصفحات الثقافية في الصحف والمجلات العربية.
العـام الوطنـي للقـراءة
رغم اهتمام دول العالم بتشجيع القراءة وتخصيص منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) يوماً عالمياً للاحتفاء بالكتاب والقراءة (الثالث والعشرين من شهر إبريل كل عام)، إلا أن مشكلة العزوف عن القراءة خاصة بين الشباب - ما زالت إحدى المشاكل العويصة التي تؤرق دول العالم، تستوى في ذلك الدول الصغيرة والكبيرة، الفقيرة والغنية أيضاً، وأصبحت هذه الدول جميعاً تبحث دائماً عن وسائل أو تجارب جديدة تستفيد منها في حملاتها المستمرة لتشجيع مواطنيها على حب الكتاب والقراءة.
لذا تخصص نافذة هذا العدد لإلقاء الضوء على تجربة جديدة فريدة بدأتها أستراليا هذا الشهر (فبراير 2012) لتحويل أستراليا إلى أمة من القراء من خلال حملة مكثفة تستمر عاماً كاملاً!
ولعل هذه هي المرة الأولى في تاريخ حملات القراءة في العالم التي تستمر فيها الحملة عاماً كاملاً. ولكن لدى أستراليا أسبابها الخاصة لذلك، فقد أجري في عام 2010 مسح عام شمل جميع مواطني أستراليا حول مهارات القراءة، وكانت نتيجته صادقة ومفزعة للمسؤولين والتربويين والمثقفين والرأى العام أيضاً: حوالي نصف سكان أستراليا (46%) لا يجيدون المهارات الأساسية للقراءة؛ أي أنهم لا يستطيعون قراءة الصحف، ولا يفهمون الرموز أو الكلمات التي تظهر في جداول المواعيد، ولا يفهمون التعليمات المكتوبة على زجاجات الدواء، باختصار يفتقدون مهارات التعامل مع أبسط تفاصيل الحياة اليومية ومتطلبات العمل الذي يلتحقون به.
وورد في تقرير المجموعة الاقتصادية الاسترالية التي أجرت المسح أن هذه النتيجة كارثة حقيقية تهدد الاقتصاد الأسترالي، وقد أكد أكثر من 75? من أصحاب الأعمال أن أعمالهم تأثرت كثيراً بهذا المستوى المتدني لهؤلاء العاملين الذين لا يعرفون مهارات القراءة والكتابة والحساب.
وتم الاتفاق على أن يكون عام 2012 هو العام الوطني للقراءة، وجاء في إعلان أمناء المكتبات الأسترالية العامة، وجمعيات المكتبيين ـ الذين كانوا القوة الدافعة وراء إطلاق هذه الحملة ـ أنهم سوف يتعاونون مع الحكومة، والمدارس، وأصحاب دور النشر، ومكتبات بيع الكتب، والمؤلفين، وأولياء الأمور، والأطباء والمشرفين الصحيين، وجميع المنظمات والمهتمين الذين يؤمنون بأهمية هذه الحملة الوطنية ويسعون لإنجاحها.
وجاء في الإعلان أيضاً أن أنشطة هذه الحملة ستنقسم إلى نوعين الأول رسمي بمعنى أن يجري تعميمه وتشترك فيه جميع ولايات استراليا، والثاني خاص بكل ولاية، وتكون المنافسة بين الولايات في مدى قدرة كل منها على استحداث أساليب وأنشطة جديدة تناسب بيئة كل ولاية وتلبي حاجاتهم القرائية وتحفز الجميع على قراءة المزيد من الكتب.
درس فـي التخطيط:
رغم إعلان عام 2012 العام الوطني للقراءة، إلا أن الاستعدادات بدأت منذ شهر فبراير 2011، عام كامل للتخطيط والاستعدادات، وتهيئة الجو العام ليكون الجميع في حالة ترقب لبداية العام القومي للقراءة وقد بدأ التخطيط بلقاءات مع المثقفين والتربويين والمسؤولين والسياسيين لتحديد نوع الأنشطة الرسمية التي يجب أن يشترك فيها جميع الاستراليين وتناسب الذوق العام والمراحل العمرية المختلفة، ثم البحث عن رعاة لتمويل الحملة.
بعد ذلك جاء دور استقطاب مئات الشخصيات الشهيرة في عالم السياسة والرياضة والفن والأدب والأعمال والإعلام ليكونوا سفراء للعام الوطني للقراءة. وتم الإعلان عن أسمائهم، وتكون مهمتهم الترويج لحملة القراءة والحديث عن أهمية القراءة وعن تجاربهم في القراءة، وأهم الكتب التي أثرت في حياتهم، وأيضاً حث جميع أفراد المجتمع - وخاصة المعجبين بهم - على قراءة المزيد من الكتب.
وشملت الاستعدادات أيضاً اختيار المتطوعين من الجنسين من مختلف الأعمار لكي ينتشروا في مختلف المراكز التي ستقام في جميع مدن وقرى استراليا، ويكون دور المتطوعين - بعد تدريبهم على كل التفاصيل الخاصة بالعام الوطني للقراءة - هو أن يردوا على أسئلة المواطنين، ويوزعوا الشعارات والملصقات التي تعدّ خصوصاً للاحتفال بهذا العام الوطني للقراء.
هذا إضافة إلى الجولات التي قام بها المشرفون على الإعداد للعام الوطني للقراءة في المدارس والمؤسسات الحكومية والخاصة والنوادي وأماكن الترفيه والحدائق العامة وغيرها لإثارة فضول الجميع وحماسهم لعام القراءة، كما كان لوسائل الإعلام المختلفة دور كبير أيضاً في رفع درجة الوعي لدى المجتمع بأهمية هذا العام من خلال الأحاديث واللقاءات التي جرت مع المشرفين على العام وأيضاً مع المواطنين حول رأيهم في تخصيص عام وطني للقراءة، وماذا يتوقعون من نتائج عن المستوى الفردي والجماعي بعد انتهاء هذا العام.
وقد صاحب كل هذه الاستعدادات التي جرت في العام الذي سبق الانطلاقة الرسمية للعام الوطني للقراءة، طرح قمصان وحقائب ومنتجات عديدة عليها شعار العام الوطني للقراءة.
وهكذا أصبح مواطنو استراليا مهيئين تماماً، بل متحمسين للعام الوطني للقراءة قبل موعده الرسمي بعدة أشهر.
كوينز لاند نموذجاً
انتهزت مارجريت كتسون المعلمة وأمينة مكتبة مدرسة هولاند بارك بولاية كونيز لاند، انتهزت زيارة كاميرون دك - وزير التربية والتعليم بالولاية - للمدرسة وطلبت منه أن يكون سفيراً للعام الوطني للقراءة، وقد قبل الدعوة وعبر عن إعجابه بمشروع المدرسة لعام القراءة الذي يستهدف أولياء الأمور وعنوانه: (الآباء يقرأون)، كما زار أحد صفوف السنة الأولى وقرأ للأطفال إحدى القصص.
وقد تحدثت راشيل نولان وزيرة المالية والموارد الطبيعية والفنون بالولاية حول استعدادات كوينز لاند للعام الوطني للقراءة فقالت إنها انضمت ـ مع عدد كبير من المسؤولين ـ إلى سفراء العام الوطني للقراءة الذين سيقرأون للطلبة في مدارس الولاية وأيضاً في المكتبات العامة. وقالت إن عدداً كبيراً من مشاهير الولاية سيشاركون في الأنشطة القرائية التي ستشمل جميع المدراس والمكتبات والمؤسسات والحدائق العامة أيضاً، وأضافت أن أحد الأنشطة المهمة سيكون برنامجاً تدريبيّـاً على الكتابة الإبداعية للصغار والكبار. وآخر لتدريب الآباء والأمهات على مهارات القراءة لأطفالهم، كما سيكون في برنامج الاحتفال باليوم الوطني للقراءة بعض الكتب التي سيتم اختيارها للقراءة الجماعية ومن ثم تعقد حولها جلسات لمناقشة ما جاء فيها من شخصيات وأفكار وموضوعات.
وقالت إن العام الوطني للقراءة هو مبادرة رائعة لكي يحتفل الاستراليون جميعاً بمتعة القراءة.
فالقراءة مهمة للصغار والكبار على حد سواء، فهي تساعدنا على زيادة معارفنا وقدراتنا العقلية، كما أنها تجعلنا أكثر فهما لما يحدث في العالم من حولنا.
انتهى حديث فولان وزيرة الموارد الطبيعية والفنون في كوينز لاند، ولكن ما ذكرته من استعدادات وأنشطة سيتكرر مع اختلاف الدرجة والنوع من ولايات استراليا الأخرى.
كلمة ليست أخيرة
إن هذه التجربة الفريدة التي ستبدأ هذا الشهر وتستمر عاماً كاملاً هي جديرة بالمتابعة خاصة وأن تفاصيل الأنشطة التي ستجرى فيها لم يعلن عنها كاملة ولكن ما أعلنته اللجنة المنظمة لهذه الحملة يغري بالمتابعة.
ورغم أن لدينا في دولة الإمارات العديد من المشروعات التي تهدف إلى تشجيع الصغار والكبار على القراءة، وفي مقدمتها مشروع (ثقافة بلا حدود) إلا أننا نظل دائماً في حاجة إلى متابعة التجارب القرائية في الدول الأخرى لعل فيها ما يفيد، أو على الأقل لكي نعرف أين نحن مما يدور حولنا.