باسم الله الرحمان الرحيم،
الدرس الأول: " العبادات الشعائرية والعبادات التعاملية"
01 رمضان 1437ه الموافق ل 07 يونيو 2016م
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
"اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي"
أخواتي الكريمات، نشرع إن شاء الله في أول درس من سلسلة دروس القيم والأخلاق الإسلامية، والتي شاء المولى عز وجل أن تنطلق في هذا اليوم الأول من شهر رمضان المبارك،1437ه الموافق ل 07 يونيو 2016م، من منبرنا ومجلسنا هذا: مجموعة الواتساب "قيمنا وأخلاقنا الإسلامية" .
عنوان الدرس: العبادات الشعائرية والعبادات التعاملية
أختي المسلمة، إن سألك سائل: ما الدليل على أنك مسلمة؟ وما هي علامة وأمارة إسلامك؟ وماذا تقومين به من أفعال وأعمال تعطيك هاته الصفة، وتشهد على أنك أو بأنك مسلمة؟ فإنك ستجيبين: أنا مسلمة، لأني أقوم بكل العبادات والمناسك المفروضة علي، من صلاة وصيام وقيام وزكاة وحج وقراءة للقران وذكر وتسبيح وطقوس أخرى كثيرة..
أجل أخيتي، فهذا بالتأكيد ما سيجيب به ويقوله مسلمون كثيرون..لان الصلاة والصيام والزكاة والحج تشكل أركان الإسلام الذي بني عليه. قال صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان". فهاته هي الأسس والدعائم والأركان التي بني عليها الإسلام، لكنها ليست الإسلام كله.. فنحن عندما نريد بناء منزل مثلا، أول وأهم ما نبدأ به هي الأسس، (الطابلة والساريات التي يقف ويدشن عليها هذا البيت)، فعندما نتمم على أحسن وجه بناء ورفع هاته السارياتـ ثم نتوقف.. فهل بناء المنزل قد اكتمل؟ أكيد لا، يجب علينا أن نكمل البناء بالحيطان والغرف والأبواب والنوافذ، (والمرطوب والزليج والصباغة والكبص ) .. وغيرها من مواد ووسائل بناء و تزيين المنازل الأخرى.. إذن يبقى بناء البيت ناقصا، ولا يمكننا أن نسكن فيه إلا بعد أن يكتمل بناؤه.. تماما كما هي عباداتنا، إن اقتصرت فقط على أركان الإسلام، فهي تبقى ناقصة ..فالإسلام ليس فقط صلاة وزكاة وصيام وحج.. وهذه هي ما يصطلح عليها بالعبادات الشعائرية..
الإسلام، أخواتي المسلمات، هو: صدق، الإسلام نصيحة، الإسلام أمانة، الإسلام ورع، الإسلام إخلاص، الإسلام محبة لله وفي الله ، الإسلام تضحية وبذل وعطاء، الإسلام قيم وأخلاق وسلوكات ومعاملات.
وهذه ما يصطلح عليها أو تسمى بالعبادات التعاملية.. فإن لم تتوفر هاته الصفات والقيم والأخلاق في الشخص المسلم، سواء أكان رجلا أم إمرة، فعن أي إسلام يتحدث ؟؟ حتى لو حرص على القيام بكل أركان الإسلام كما يجب و على أحسن وجه.. فلابد أن يكون هناك تكامل وتناغم بين هاته العبادات، فإن لم تتوج العبادات الشعائرية، وإن لم يمهد لها بالعبادات التعاملية، فلا قيمة لها إطلاقا، لان الدين المعاملة والأخلاق..
فاهم مقاصد وأسباب بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو الرقي والسمو بأخلاق الفرد والمجتمع. قال تعالى: "هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم" (الجمعة 2 ). والتزكية بمعنى تطهير القلب من الشرك والأخلاق الرديئة، كالغل والحسد، و تطهير الأقوال والأفعال من الأخلاق والعادات السيئة..
قال صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وقال أيضا: " أكثر ما يدخل الناس الجنة، تقوى الله وحسن الخلق".
و قال كذلك غليه الصلاة والسلام: " ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وان صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة"..
وهنا تحضرني قولة دائما أقف عندها طويلا، تقول: "لا تحدثني كثيرا عن الدين، ولكن دعني أرى الدين في سلوكك وأخلاقك وتعاملاتك"..
وإذا تتبعنا البناء الأخلاقي في القران الكريم، نجد أن عدد آيات الأخلاق اكبر من عدد آيات الأحكام، مما يبين أهمية الأخلاق في المنظومة الإسلامية..
يقول الشيخ الغزالي رحمه الله: " فالصلاة والصيام والزكاة والحج، وما أشبه هذه الطاعات، من تعاليم الإسلام، هي مدارج الكمال المنشود، وروافد التطهر الذي يصون الحياة، و يعلي شانها، و لهذه السجايا الكريمة التي ترتبط بها أو تنشا عنها أعطيت منزلة كبيرة في دين الله، فإذا لم يستفد المرء منها ما يزكي قلبه وينقي لبه، ويهذب بالله وبالناس صلته، فقد هوى" .
فالأخلاق مرتبطة بكل أنواع العبادة، فعندما يأمر الحق سبحانه بعبادة ما، إلا و ينبه لمقصدها الأخلاقي .. فالعبادات هدفها الأسمى هو ضبط الأخلاق.. وإلا فان العبادات تصبح مجرد تمارين رياضية ..
إن العبادة الحقة، أخواتي، لا بد أن يكون لها اثر في نفس صاحبها وأخلاقه وسلوكه.. فالصلاة وسيلة، والغاية أن يتخلق المسلم ويكف عن الفحشاء والمنكر..
يقول سبحانه: "وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" العنكبوت 45
والصيام وسيلة لبلوغ التقوى، يقول عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" البقرة 182
والزكاة ما هي إلا نوع من أنواع التكافل الاجتماعي، والتعاطف والتراحم والإحساس بالمحتاجين.. قال تعالى في سورة البقرة 264 "يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى" ..والحج ما هو إلا رحلة إيمانية مليئة بمعاني الرقي الروحي والأخلاقي، قال تعالى في سورة البقرة الآية 197 " الحج أشهر معلومات، فمن فرض فيهن الحج، فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج" ..
وأسوق لكن أخواتي الفاضلات، بعض الأدلة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، تؤكد بدورها على ضرورة إرفاق العبادات الشعائرية بالعبادات التعاملية، حتى يتقبلها الله منا.. قال صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله بحقها، دخل الجنة" قيل: وما حقها؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله".. فلا قيمة إذن للنطق بالشهادة، إن لم تحجزك عن محارم الله، من فسوق وزور وكل مساوئ الأخلاق.. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم، فيما يخص الصلاة: " يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة، يجعلها الله هباء منثورا"، قيل يا رسول الله جلهم لنا؟ قال: إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله، انتهكوها"..
وقال صلى الله عليه وسلم، فيما يخص ركن الصيام: " من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة له أن يدع طعامه وشرابه " .. وعن ركن الحج، قال صلى الله عليه وسلم: "من حج بمال حرام، ووضع رجله في الركاب، وقال:" لبيك اللهم لبيك" ناداه مناد أن: "لا لبيك ولا سعديك، وحجك مردود عليك".. وكذلك: "من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع كما ولدته أمه"، أي لا قيمة لكل المناسك الأخرى، من طواف ووقوف ورمي الخ.. بدون الالتزام بالأخلاق ..فالحج أولا وقبل كل شيء أخلاق .. بل إن الأخلاق تصل ذروتها في الحج ..الذي يعتبر تدريبا قاسيا على انضباط الأخلاق..
يقول الرافعي في وحي القلم: لو أنني سئلت أن أجمل فلسفة الدين الإسلامي كلها في لفظين، لقلت: إنها ثبات الأخلاق، و لو سئل اكبر فلاسفة الدنيا أن يوجز علاج الإنسانية كلها في حرفين، لما زاد على القول: انه ثبات الأخلاق، ولو اجتمع كل علماء أوربا ليدرسوا المدنية الأوروبية، ويحصروا ما يعوزها في كلمتين، لقالوا: " ثبات الأخلاق".
ومن هنا أخواتي الفضليات نتساءل:" لماذا نحن المسلمون الآن متخلفون؟ في حين الأمم الأخرى الكافرة متقدمة في كل مجالات الحياة .. عكسنا تماما .. نحن أسفل سافلين، متأخرين على ركب الحضارة والتطور .. لماذا؟ ماهو السر وراء ذلك؟ الجواب عزيزاتي، واضح وبديهي: لأن تلك الأمم أخذت من قيم وأخلاق ومبادئ إسلامنا، وطبقتها، مع أنها ليست مسلمة، ولا تطبق العبادات الشعائرية التي نقوم بها نحن المسلمون ..هم لا يغشون، لا يكذبون، لا يخونون، لا يزورون، هم يحترمون الإنسان والحيوان والنبات والطبيعة والوقت.. هم لا يرمون بالقاذورات والأوساخ في كل مكان، هم يحترمون أنفسهم وغيرهم ويتعاملون مع بعضهم البعض برقي وتحضر وأدب ..أما نحن المسلمون، إلا من رحم ربك، فقد فهمنا الدين على أنه عبادات شعائرية فقط: صلاة ركوع سجود صيام قيام حج الخ.. ونسينا أن الدين معاملة وأخلاق وأدب وصدق.. بها فقط نتقدم ونرتقي ونتحضر ونتطور بفكرنا وحياتنا.. لان الإسلام نظام متكامل، مرتبط بكل ما يصدر من المسلم من قول أو فعل آو سلوك في حياته..
إذن الجواب على سبب تخلفنا: هو أننا نحن المسلمون نعيش أزمة أخلاق..
والشاعر يقول: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت /// فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
فلنحرص أخواتي على عبادتنا التعاملية، لكي نقطف ثمار العبادة الشعائرية، ويتقبلها منا الله سبحانه وتعالى.
اللهم كما حسنت خلقنا فحسن أخلاقنا، وجمل أفعالنا، وأعنا على كل عمل صالح يقربنا إليك، واهدنا لما تحب وترضى، آمين يا رب العالمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكن، ولسائر المؤمنات والمؤمنين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.