أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها
هي أم المؤمنين ، رملة بنت أبي سفيان ، صخر بن حرب بن أمية القرشية ،
أمّها صفية بنت أبي العاص بن أمية ، وأخواها معاوية كاتب وحي رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، و عتبة والي عمر بن الخطاب على الطائف .
وهي بنت عم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وليس من أزواجه من هي أقرب نسباً
إليه منها ، ولا في نسائه من هي أكثر صداقاً منها ، ولا من تزوج بها وهي
نائية الديار أبعد منها.
ولدت قبل الإسلام ، وكانت تكنى أم حبيبة ، نسبة إلى ابنتها من زوجها الأول ،
وهي من الثلّة المؤمنة التي أسلمت مبكراً في مكة.
تزوجت عبيد الله بن جحش الأسدي ، وعاشت معه تلك التجربة القاسية التي لاقاها المؤمنون في بدايات الدعوة المكيّة ، وما انطوت عليه من معاناة مريرة وأحداث مروعة ، ولم يكن ثمّة مخرجٍ من هذه الحال سوى هجرة الأوطان وترك الديار ،
إلى أرضٍ تسمح لهم بحريّة العبادة ، ووقع الاختيار على أرض الحبشة ،
وهكذا هاجرت أم حبيبة مع زوجها إلى الحبشة ليظفروا بالأمن والأمان ،
ولم تدم سعادتها طويلاً ، فقد حدث لها ما لم يكن في الحسبان .
تقول أم حبيبة : " رأيت في النوم كأن عبيد الله بن جحش زوجي بأسوأ صورة
وأشوهها ، ففزعت ، فقلت في نفسي: تغيّرت والله حاله ، فلما أصبح الصباح
دعاني وقال لي : يا أم حبيبة ، إني نظرت في الدين قبل إسلامي ، فلم أرى
ديناً خيراً من النصرانية ، وكنت قد دنت بها ، ثم أسلمتُ ودخلتُ في دين محمد
، ولكني الآن أرجع إلى النصرانية ، ففزعتُ من قوله وقلت : والله ما هو
خيرٌ لك . وأخبرتُه بالرؤيا التي رأيتها فيه ، فلم يحفل بها ، وأكبّ على
الخمر يعاقرها حتى مات .
فأصابني من ذلك همٌّ وغمٌّ عظيمين ، إلى أن رأيت فيما يرى النائم من يناديني
قائلاً : يا أم المؤمنين ، فأوّلتها أن رسول الله يتزوجني ، فما هو إلا أن
انقضت عدّتي ، حتى أتاني رسول النجاشي يستأذن الدخول عليّ ، فإذا هي
جاريةٌ له يقال لها أبرهة ، كانت تقوم على ثيابه ودهنه ، فدخلتْ عليّ فقالت :
إن الملك يقول لك : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليّ أن أزوجك إيّاه ، ففرحت وقلت :
بشّرك الله بخير ، فقالت لي : يقول لك الملك وكّلي من يزوّجك ، فأرسلت إلى
خالد بن سعيد العاص فوكّلته ، وأعطيتُ الجارية ما عندي من حليٍّ وجواهر
مكافأةً لها على ما بشّرتني به .
فلما كان العشي أمر النجاشي بحضور جعفر بن أبي طالب ومن معه من المسلمين ،
فخطب النجاشي
فقال : الحمد لله الملك القدوس السلام ، المؤمن المهيمن العزيز الجبار ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وأنّه الذي بشر به عيسى
بن مريم عليه السلام ، أما بعد : فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب
إليّ أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فأجبته إلى ما دعا إليه ،
وقد أصدقتها أربعمائة دينار . ثم سكب الدنانير بين يدي القوم ،
فتكلم خالد بن سعيد
فقال : الحمد لله أحمده وأستعينه وأستنصره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن
محمداً عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو
كره المشركون ، أما بعد : فقد أجبتُ إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وزوّجته أم حبيبة ابنة أبي سفيان ، فبارك الله لرسوله .
ثم قام ودفع إليّ الدنانير ، ثم أرادوا أن يقوموا ، فقال لهم النجاشي :
اجلسوا ؛ فإنّ سنّة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعامٌ على الزواج ،
فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا ".
وتواصل أم حبيبة
سرد قصتها قائلةً : " فلما وصل إليّ المال أرسلتُ إلى الجارية التي
بشّرتني ، فقلت لها : إني كنت أعطيتك ما أعطيتك يومئذٍ ولا مال بيدي ،
فهذه خمسون مثقالا فخذيها واستغني بها ، لكنها ردّت إليّ كل ما أعطيتها ،
وقالت : عزم عليّ الملك ألا آخذ منك شيئا ، وإني قد تبعت دين رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأسلمت لله ، فحاجتي إليك أن تقرئي رسول الله مني
السلام ، وتعلميه أني قد اتبعت دينه ، فلما قدمتُ على رسول الله صلى الله
عليه وسلم مع شرحبيل بن حسنة أخبرته كيف كانت الخطبة ، وما فعلت بي
الجارية ، فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال :
( وعليها السلام ورحمة الله ) .
لقد احتفلت المدينة بهذا الحدث العظيم سنة 7هـ ، وكان عمرها يومئذٍ
36سنة
، وأنزل الله تعالى في شأن هذا الزواج المبارك قوله : {عسى الله أن
يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة } ( الممتحنة : 7 ) ، يقول ابن عباس رضي الله عنهما : " ..فكانت المودة التي جعل الله بينهم تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فصارت أم المؤمنين ، وصار معاوية خال المؤمنين " .
هذا وقد شهد لها القريب والبعيد بالذكاء والفطنة ، والفصاحة والبلاغة ، ،
وكانت فوق ذلك من الصابرات المجاهدات ، ويظهر جهادها وصبرها من خلال
هجرتها إلى الحبشة مع زوجها ، تاركة أهلها وقومها ، ثم صبرها على الإسلام
عندما تنصّر زوجها ، مما أدى إلى انفصالها عنه ، فصارت وحيدة لا زوج لها
ولا أهل ، وفي غربة عن الديار ، لكن الإسلام يصنع العجائب إذا لامس شغاف
القلوب ، فثبتت في موطن لا يثبت فيه إلا القليل ، مما رفع قدرها ، وأعلى
منزلتها في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأراد مواساتها بزواجه
منها .
وكان لها مع والدها أبي سفيان وقفة براءٍ من الشرك وأهله ، فإنه لمّا قدم
المدينة راغباً في تمديد الهدنة ، دخل على ابنته أم حبيبة
، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته دونه ،
فاستنكر والدها ذلك وقال : " يا بنيّة ، أرغبتِ بهذا الفراش عنّي؟ ،
أم أم
رغبتِ بي عنه ؟ "، فأجابته إجابة المعتزّ بدينه المفتخر بإيمانه :
"بل هو
فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت امرؤ نجسٌ مشرك " .
وأما إسهامها في باب الرواية ، فقد روت عدداً من الأحاديث النبوية ،
منها ما جاء في "الصحيحين" : أنه لما جاء نعي أبي سفيان من الشام دعت
أم حبيبة رضي الله عنها بصفرة في اليوم الثالث ، فمسحت عارضيها وذراعيها ، وقالت إني كنت عن هذا لغنية لولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج ، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ) .
ولما أحسّت بقرب رحيلها دعت عائشة
رضي الله عنها وقالت لها : " قد كان بيننا ما يكون بين الضرائر ، فهل لك
أن تحللينني من ذلك ؟ " ، فحلّلتها واستغفرت لها فقالت لها : " سررتِني
سرّك الله " ، وأرسلت إلى أم سلمة رضي
الله عنها بمثل ذلك ، ثم ماتت رضي الله عنها سنة أربع وأربعين للهجرة
بالمدينة ، وقد بلغت من العمر اثنان وسبعون سنة ، فرضي الله عنها وأرضاها
، وجعل الجنة مأواها.
هي أم المؤمنين ، رملة بنت أبي سفيان ، صخر بن حرب بن أمية القرشية ،
أمّها صفية بنت أبي العاص بن أمية ، وأخواها معاوية كاتب وحي رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، و عتبة والي عمر بن الخطاب على الطائف .
وهي بنت عم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وليس من أزواجه من هي أقرب نسباً
إليه منها ، ولا في نسائه من هي أكثر صداقاً منها ، ولا من تزوج بها وهي
نائية الديار أبعد منها.
ولدت قبل الإسلام ، وكانت تكنى أم حبيبة ، نسبة إلى ابنتها من زوجها الأول ،
وهي من الثلّة المؤمنة التي أسلمت مبكراً في مكة.
تزوجت عبيد الله بن جحش الأسدي ، وعاشت معه تلك التجربة القاسية التي لاقاها المؤمنون في بدايات الدعوة المكيّة ، وما انطوت عليه من معاناة مريرة وأحداث مروعة ، ولم يكن ثمّة مخرجٍ من هذه الحال سوى هجرة الأوطان وترك الديار ،
إلى أرضٍ تسمح لهم بحريّة العبادة ، ووقع الاختيار على أرض الحبشة ،
وهكذا هاجرت أم حبيبة مع زوجها إلى الحبشة ليظفروا بالأمن والأمان ،
ولم تدم سعادتها طويلاً ، فقد حدث لها ما لم يكن في الحسبان .
تقول أم حبيبة : " رأيت في النوم كأن عبيد الله بن جحش زوجي بأسوأ صورة
وأشوهها ، ففزعت ، فقلت في نفسي: تغيّرت والله حاله ، فلما أصبح الصباح
دعاني وقال لي : يا أم حبيبة ، إني نظرت في الدين قبل إسلامي ، فلم أرى
ديناً خيراً من النصرانية ، وكنت قد دنت بها ، ثم أسلمتُ ودخلتُ في دين محمد
، ولكني الآن أرجع إلى النصرانية ، ففزعتُ من قوله وقلت : والله ما هو
خيرٌ لك . وأخبرتُه بالرؤيا التي رأيتها فيه ، فلم يحفل بها ، وأكبّ على
الخمر يعاقرها حتى مات .
فأصابني من ذلك همٌّ وغمٌّ عظيمين ، إلى أن رأيت فيما يرى النائم من يناديني
قائلاً : يا أم المؤمنين ، فأوّلتها أن رسول الله يتزوجني ، فما هو إلا أن
انقضت عدّتي ، حتى أتاني رسول النجاشي يستأذن الدخول عليّ ، فإذا هي
جاريةٌ له يقال لها أبرهة ، كانت تقوم على ثيابه ودهنه ، فدخلتْ عليّ فقالت :
إن الملك يقول لك : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليّ أن أزوجك إيّاه ، ففرحت وقلت :
بشّرك الله بخير ، فقالت لي : يقول لك الملك وكّلي من يزوّجك ، فأرسلت إلى
خالد بن سعيد العاص فوكّلته ، وأعطيتُ الجارية ما عندي من حليٍّ وجواهر
مكافأةً لها على ما بشّرتني به .
فلما كان العشي أمر النجاشي بحضور جعفر بن أبي طالب ومن معه من المسلمين ،
فخطب النجاشي
فقال : الحمد لله الملك القدوس السلام ، المؤمن المهيمن العزيز الجبار ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وأنّه الذي بشر به عيسى
بن مريم عليه السلام ، أما بعد : فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب
إليّ أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فأجبته إلى ما دعا إليه ،
وقد أصدقتها أربعمائة دينار . ثم سكب الدنانير بين يدي القوم ،
فتكلم خالد بن سعيد
فقال : الحمد لله أحمده وأستعينه وأستنصره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن
محمداً عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو
كره المشركون ، أما بعد : فقد أجبتُ إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وزوّجته أم حبيبة ابنة أبي سفيان ، فبارك الله لرسوله .
ثم قام ودفع إليّ الدنانير ، ثم أرادوا أن يقوموا ، فقال لهم النجاشي :
اجلسوا ؛ فإنّ سنّة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعامٌ على الزواج ،
فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا ".
وتواصل أم حبيبة
سرد قصتها قائلةً : " فلما وصل إليّ المال أرسلتُ إلى الجارية التي
بشّرتني ، فقلت لها : إني كنت أعطيتك ما أعطيتك يومئذٍ ولا مال بيدي ،
فهذه خمسون مثقالا فخذيها واستغني بها ، لكنها ردّت إليّ كل ما أعطيتها ،
وقالت : عزم عليّ الملك ألا آخذ منك شيئا ، وإني قد تبعت دين رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأسلمت لله ، فحاجتي إليك أن تقرئي رسول الله مني
السلام ، وتعلميه أني قد اتبعت دينه ، فلما قدمتُ على رسول الله صلى الله
عليه وسلم مع شرحبيل بن حسنة أخبرته كيف كانت الخطبة ، وما فعلت بي
الجارية ، فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال :
( وعليها السلام ورحمة الله ) .
لقد احتفلت المدينة بهذا الحدث العظيم سنة 7هـ ، وكان عمرها يومئذٍ
36سنة
، وأنزل الله تعالى في شأن هذا الزواج المبارك قوله : {عسى الله أن
يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة } ( الممتحنة : 7 ) ، يقول ابن عباس رضي الله عنهما : " ..فكانت المودة التي جعل الله بينهم تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فصارت أم المؤمنين ، وصار معاوية خال المؤمنين " .
هذا وقد شهد لها القريب والبعيد بالذكاء والفطنة ، والفصاحة والبلاغة ، ،
وكانت فوق ذلك من الصابرات المجاهدات ، ويظهر جهادها وصبرها من خلال
هجرتها إلى الحبشة مع زوجها ، تاركة أهلها وقومها ، ثم صبرها على الإسلام
عندما تنصّر زوجها ، مما أدى إلى انفصالها عنه ، فصارت وحيدة لا زوج لها
ولا أهل ، وفي غربة عن الديار ، لكن الإسلام يصنع العجائب إذا لامس شغاف
القلوب ، فثبتت في موطن لا يثبت فيه إلا القليل ، مما رفع قدرها ، وأعلى
منزلتها في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأراد مواساتها بزواجه
منها .
وكان لها مع والدها أبي سفيان وقفة براءٍ من الشرك وأهله ، فإنه لمّا قدم
المدينة راغباً في تمديد الهدنة ، دخل على ابنته أم حبيبة
، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته دونه ،
فاستنكر والدها ذلك وقال : " يا بنيّة ، أرغبتِ بهذا الفراش عنّي؟ ،
أم أم
رغبتِ بي عنه ؟ "، فأجابته إجابة المعتزّ بدينه المفتخر بإيمانه :
"بل هو
فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت امرؤ نجسٌ مشرك " .
وأما إسهامها في باب الرواية ، فقد روت عدداً من الأحاديث النبوية ،
منها ما جاء في "الصحيحين" : أنه لما جاء نعي أبي سفيان من الشام دعت
أم حبيبة رضي الله عنها بصفرة في اليوم الثالث ، فمسحت عارضيها وذراعيها ، وقالت إني كنت عن هذا لغنية لولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج ، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ) .
ولما أحسّت بقرب رحيلها دعت عائشة
رضي الله عنها وقالت لها : " قد كان بيننا ما يكون بين الضرائر ، فهل لك
أن تحللينني من ذلك ؟ " ، فحلّلتها واستغفرت لها فقالت لها : " سررتِني
سرّك الله " ، وأرسلت إلى أم سلمة رضي
الله عنها بمثل ذلك ، ثم ماتت رضي الله عنها سنة أربع وأربعين للهجرة
بالمدينة ، وقد بلغت من العمر اثنان وسبعون سنة ، فرضي الله عنها وأرضاها
، وجعل الجنة مأواها.