أحداث سوريا: رُبَّ ضارةٍ نافعة !
مرتضى. ش. العاملي - بنت جبيل .اورغ - 12/06/2011م
ثبتت بالوجه القطعي المؤامرة الخارجية على سوريا، وجرى ما جرى، وما زال يجري، وتباينت التحليلات، وتعدّدت الآراء إزاء هذه الأحداث بين مؤيّد لما يحدث متشّفٍ كمن يُحَكّ له على جرب فيه، وبين رافض آسفٍ داعمٍ للاستقرار والأمن، آملٍ أن تمرّ هذه الغمامة بخير وسلام.
فالممانعون الشرفاء يوجع قلوبهم ما يحدث، وهم متيقنون أنه خيط ضمن نسيج التآمر المستمر على هذا البلد المقاوم، ولكنه خيط تدلّى إلى الداخل السوري هذه المرة. والمتآمرون العملاء يثلج صدورهم ما يقع على سوريا العروبة من البلاء، ويتوهمّون أنهم قد أحرزوا نجاحاً في معركتهم ضد سوريا، وأنهم كسبوا هذه الجولة، هكذا يتوهمون وهكذا تدفقت أبجدية هذا الوهم عبر الفضائيات الحربائية الكبرى.
والمتأمّل بعمق لما يحدث في سورية سيخلص إلى ملاحظة جديرة بالتوقف عندها، والاعتبار بها، فسوريا هي بمثابة العبد الصالح المستقيم الشريف المجاهد، لكنّ هذا العبد كان مقصّراً في جانب من الجوانب، والله سبحانه لا يحبّ لعبده الصالح أن يتعايش ويتواطأ مع أيّ التقصير، فيؤدّبه بطريقة من الطرق يوقظه بها وينبّهه إلى تقصيره ليتسنّى له تركه وهجرانه مليّا ليعود كامل الإيمان والصلاح. وسوريا تحت وطأة ظروف ضاغطة جدا كانت مقصّرة في موضوع حقوق الإنسان والديمقراطية بمستوى معيّن، شأنها في ذلك شأن كلّ الدول في الحظيرة العربية، بتفاوت نسبي بينها، إلاّ إنها تشترك كلّها بعدم وجود ديمقراطية حقيقية فيها، وبقمع مواطنيها، وسلبهم حرياتهم في التعبير والتحزّب والانتخاب، والتضييق عليهم، والتحكّم بمصائرهم في الحرب والسلم. وهذا من شأنه أن يكرّس فسادا تلو فساد على مختلف الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، ويؤدي إلى ما تشهده منطقتنا من واقع متخلّف منحدر من كل النواحي المذكورة.
إلاّ إنّ ما يميّز سوريا نظاماً وشعباً هو وقوفها التاريخي الصلد في رأس جبهة الممانعة والمقاومة العربية في وجه المشاريع الإمبريالية الأمريكية الصهيونية على مدى أربعة قرون، لم تتراجع خلالها يوما واحدا عن موقفها ذاك بالرغم من تساقط شقيقاتها العربيات واحدة تلو الأخرى في شباك العنكبوت الأمريكي الصهيوني، بدءاً من الكبرى مصر، إلى الصغرى البحرين، وبينهما كل الدول العربية بلا استثناء، وإن كانت بعض الدول العربية غيّرت مواقفها بعد سقوط الأنظمة العميلة بها كالسودان مثلا. فتميّزت سوريا في خضمّ هذا السقوط الجماعي العربي في حضيض ما سمّي بمشاريع التسوية والسلام، وفي حقيقتها هي الخيانة والاستسلام وإنْ جمّلوها بمساحيق إعلامية ودعائية كثيرة. وهذا التميّز السوري بواقعه الممانع يجعلنا نخرج بمجموعة من الاستنتاجات، منها أنّ ثبات سوريا لوحدها على قمة الممانعة العربية جعلها ويجعلها مستهدفة من قبل الذين سقطوا في حضيض العمالة، ومستهدفة من الدول الكبرى صاحبة ذلك الحضيض الموحل وعلى رأسها امريكا وربيبتها إسرائيل. أما عن استهدافها من قبل أخواتها الساقطات فلكي لا تحرجهم أمام شعوبهم بثباتها المشرّف، ولكي لا تحرجهم أمام أسيادهم الأمريكان من حيث فشلهم باستمالتها إلى حضيضهم بالرغم من كل إمكاناتهم المادية والإعلامية وتاريخهم الطويل بالمكر والخداع والنفاق. ولكي لا تحرجهم أمام أنفسهم وضمائرهم إن كان تبقى عندهم منها شيء. ولا يفوتنا أن نشير إلى علاقة سوريا الوطيدة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي تجعل عرب "الاعتلال" في أشدّ حرصهم على استهداف شقيقتهم الصامدة.
وأمّا استهداف سوريا من أمريكا والصهاينة والغرب فلحماية الكيان الصهيوني الغاصب في المقام الأول حيث سوريا بموقفها المقاوم شوكة في حلقه، بل خنجر في خاصرته، تقض مضجعه وتفشل كل مخططاته. وتُستهدف سوريا من قبل هؤلاء لهاثا وراء مصالحهم المعتمدة على رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط على أسس عرقية وطائفية تفتته إلى كنتونات صغيرة، وتكرّس المزيد المزيد من النزاعات بين تلك الكنتونات والدويلات بما يضمن سهولة السيطرة عليها وامتصاص خيراتها، وبما يضمن أمن الكيان الصهيوني الذي سيكون بمثابة "سي السيّد" لهذه المنطقة المبعثرة المتناحرة. وكذلك فإن علاقة سوريا بإيران العدو اللدود للإمبريالية الأمريكية وجوقتها دافع جوهري لاستهدافها من قبل هؤلاء المستكبرين.
إذن سوريا في مرمى الاستهداف الخارجي الغربي والعربي، بل هي في بؤرة هذا المرمى، لأن دورها الإقليمي وموقعها الاستراتيجي هما في بؤرة الأحداث الراهنة، ولأنها رقم صعب جدا في أية معادلة أو مشروع يُعمل عليه لإخضاع هذه المنطقة للهيمنة الغربية الصهيونية. ومثل هذا الاستهداف الشرس المحموم المستمرّ والذي يطوّر آلياته وأساليبه كل حين جعل عجلة الإصلاح الاجتماعي والسياسي في سوريا مشلولة، مكبّلة، لها عينٌ ونيّة، ولكن ليس لها يدٌ وقدم، لأنّ يدها وقدمها ظلّتا منشغلتين بطرد حشرات التآمر العنيدة عن السراج المقاوم في البيت السوري.
لكن من زاوية أخرى فما دامت سوريا مستهدفة هذا الاستهداف المؤكّد من جهات متعددة تترصّدها وتتحيّن الفرص للإيقاع بها بمختلف الوسائل، وتبحث عن أية ثغرة لديها تدخل منها لتلوي ذراعها لا بل لتهشّم وجهها المقاوم، وتصهرها في قالب العمالة لتعيد صياغتها تمثالاً وضيعاً على رفّ المشروع الأمريكي الصهيوني. إذن كان من الأجدر أن لا تدع الحكمة السورية أية ثغرة في قلعتها، أو أي جرح يمكن أن يتسمّم بفعل فاعل ويلتهب ويؤلم الجسد بكل مافيه. كان جديراً بل ملحّاً أن تسعى الحكمة والعقلانية السورية بالرغم من كل الضغوطات والانشغالات والتحديات إلى تكريس إصلاحات حقيقية سياسية واجتماعية، لتحصّن قلعتها المقاومة أتمّ تحصين، ولا تترك لأي ثعلب عربي أو غربي الفرصة أن يمسّ أمنها ووجودها بأي شكل من الأشكال. كان ينبغي لسوريا أن لا تتميّز بين كل العرب بمقاومتها وحسب بل بديمقراطيتها وتعدديتها، حتى تكون المقاومة فيها مستندة إلى دعامة ديمقراطية، فتعطي خير مثل على المقاومة الديمقراطية. وسوريا قيادة وشعباً هي الدولة التي تستحق فعلاً أن تكون كذلك، لسبب بسيط وواضح هو أنها رفضت لبوس التبعية والانقياد الذي لبسته كل شقيقاتها بلا استثناء. فهي تربة خصبة وقابلة لا لبذور الديمقراطية وحسب بل لغاباتها الكثيفة، ديمقراطية ذات نكهة سورية مقاومة لها رونق أجمل وأرقى لا نجده لدى الغرب الذي يمارس ديمقراطية قشرية تنطوي على قمع ناعم.
وقد بدأت عجلة الإصلاحات الحقيقية والجوهرية بالسير حثيثاً منذ نبّهت الاحتجاجات السلمية نوايا الإصلاح لدى المسؤولين، وجعلتهم يزيدون من تشمير سواعدهم، ويقفزون قفزات نوعية في هذا المضمار، رغبة حقيقية في الإصلاح السياسي والاجتماعي، وتفويتاً للفرصة على كل متربّص ماكر. وبتصاعد وتيرة الإصلاحات الجادة تصاعدت في المقابل وتيرة المؤامرة، وانكشف وجهها الحقيقي الممسوخ، فهي مؤامرة ركبت موجة المطالبات الشعبية المحقة، لتحقيق أهدافها الدنيئة في ضرب المقاومة، وعندما أظهر النظام السوري مرونة واستجابة ورغبة لم يتوقعوها في الإصلاح، وتجسيده سريعا على أرض الواقع، جُنَّ جنون المتآمرين، وأدركوا أن البساط يُسحب من تحت أرجلهم، فصعّدوا المواجهة المسلّحة الدموية والتي استهدفت العشرات بل المئات من رجال الأمن والجيش، فضلاً عن المدنيين، بغية كبح المسيرة الإصلاحية الحثيثة، وخلق أولوية ملحّة أمام النظام السوري تتقدّم على رحلة الإصلاح، وهي حماية الوطن وتحصينه وتطهيره من المخرّبين، وهي أولوية مشروعة ليس لسوريا وحسب، بل لكل دولة مستقلة تهدّد أمنها تنظيمات مسلّحة مموّلة وموجّهة من الخارج.
هذه الأولوية التي اضطرت إليها سوريا لتحصين داخلها ومنجزَها المقاوم، وتاريخها الممانع للأمبريالية والاستكبار العالمي، اضطرت إليها ودون إغفال أو تجميد لعربة الإصلاح، واستدعت تحرّك الجيش نحو المناطق المستهدفة، لتطهيرها من الفاسدين المتآمرين، وكانت تتربص أبواق الإعلام المسمومة المريضة فصورت تلك التحركات الشرعية للجيش السوري على أنها قمع واضطهاد للآمنين، وقتل للأبرياء، ومجابهة للمسالمين، وفبركت هذه الوسائل الإعلامية الرخيصة التي كشف بعضُ كوادرها وجهَها الممسوخ فهجروها مليّا كي لا يتلوثوا بمستنقعاتها القذرة، أمّا باقي الكوادر فهم مرتزقة رخيصون يعبدون الدينار، ويأتمرون بأمره في كل حال، أقول فبركت هذه الوسائل أفلاماً ومقاطع مكشوفة لأساليب قمع وقتل وسفك للدماء، يُستعمل فيها "الكاتشب" والأصباغ، ويتم تركيب ملفات صوتية حسب المزاج على تلك المشاهد، وإلى آخره من أساليب صارت بمتناول الجميع، وما عادت تنطلي حتى على الأطفال.
ختاماً فإنّ ما يجري في سوريا هو في صالح سوريا وليس ضدها، فلربّ ضارة نافعة، لأنّ نوايا الإصلاح الحقيقي التي كانت تراود المسؤولين السوريين على مدى سنوات طويلة سابقة، وكانت تحول دونها ظروف سياسية صعبة، حفّزها ماجرى، بل حقنها بالحماس والرغبة الأكيدة، وسرعان ما تجّسدت تطبيقاً عملياً على أرض الواقع تمثل بإلغاء قانون الطوارئ، وإقرار قانون الأحزاب، وإطلاق الحوار البناء مع مختلف القوى، وغيرها الكثير من مظاهر الإصلاح التي تكرست في وقت قياسي بالرغم من التحديات الصعبة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ ماحدث كشف جلياً سوسة كامنة في الجسم السوري لها ارتباطات خارجية كانت تتربّص وتتحيّن الفرص للانقضاض على الشموخ والكرامة السورية، لكنّها أخطأت حساباتها هي وأسيادها، وظنّوا أنهم وفي خضمّ الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين يمكن أن ينجحوا في سوريا، وهيهات، لأنّ السبب الذي أشعل الثورات التي تطلب رأس النظام في تلك البلاد غير متوفّر في سوريا، فتلك أنظمة عميلة خائنة مرتهنة للغرب، تخدم المشروع الصهيوأمريكي، أهدرت كرامة شعوبها، وفرشتهم سجّادا أحمر تحت أحذية الساسة الغربيين المتعاقبين، فكرهتها شعوبها وتقززت منها وصار أكبر همّ تلك الشعوب الخلاص من تلك الأنظمة الفاسدة مهما كانت التضحيات، وهذا ما كان في تونس ومصر، ونتمنى أن يتحقق في ليبيا واليمن والبحرين وكل أنظمة العمالة والسجود لأمريكا. لكن النظام السوري فالعدوّ قبل الصديق يشهد أنه قلب المقاومة والمناهضة للمشروع الصهيوأمريكي، والحاضن الكبير لحركات التحرر والممانعة، والمتحالف مع قوى الكرامة والعزة الإسلامية العربية، ولا تنقصه إلاّ إصلاحات ديمقراطية واجتماعية أخرتها ظروف صعبة، وعندما تتحقق بتمامها فستكون سوريا نموذجا يُحتذى في مقاومتها وديمقراطيتها وتعدديتها.
المصدر=http://www.bintjbeil.org/index.php?show=news&action=article&id=44102مرتضى. ش. العاملي - بنت جبيل .اورغ - 12/06/2011م
ثبتت بالوجه القطعي المؤامرة الخارجية على سوريا، وجرى ما جرى، وما زال يجري، وتباينت التحليلات، وتعدّدت الآراء إزاء هذه الأحداث بين مؤيّد لما يحدث متشّفٍ كمن يُحَكّ له على جرب فيه، وبين رافض آسفٍ داعمٍ للاستقرار والأمن، آملٍ أن تمرّ هذه الغمامة بخير وسلام.
فالممانعون الشرفاء يوجع قلوبهم ما يحدث، وهم متيقنون أنه خيط ضمن نسيج التآمر المستمر على هذا البلد المقاوم، ولكنه خيط تدلّى إلى الداخل السوري هذه المرة. والمتآمرون العملاء يثلج صدورهم ما يقع على سوريا العروبة من البلاء، ويتوهمّون أنهم قد أحرزوا نجاحاً في معركتهم ضد سوريا، وأنهم كسبوا هذه الجولة، هكذا يتوهمون وهكذا تدفقت أبجدية هذا الوهم عبر الفضائيات الحربائية الكبرى.
والمتأمّل بعمق لما يحدث في سورية سيخلص إلى ملاحظة جديرة بالتوقف عندها، والاعتبار بها، فسوريا هي بمثابة العبد الصالح المستقيم الشريف المجاهد، لكنّ هذا العبد كان مقصّراً في جانب من الجوانب، والله سبحانه لا يحبّ لعبده الصالح أن يتعايش ويتواطأ مع أيّ التقصير، فيؤدّبه بطريقة من الطرق يوقظه بها وينبّهه إلى تقصيره ليتسنّى له تركه وهجرانه مليّا ليعود كامل الإيمان والصلاح. وسوريا تحت وطأة ظروف ضاغطة جدا كانت مقصّرة في موضوع حقوق الإنسان والديمقراطية بمستوى معيّن، شأنها في ذلك شأن كلّ الدول في الحظيرة العربية، بتفاوت نسبي بينها، إلاّ إنها تشترك كلّها بعدم وجود ديمقراطية حقيقية فيها، وبقمع مواطنيها، وسلبهم حرياتهم في التعبير والتحزّب والانتخاب، والتضييق عليهم، والتحكّم بمصائرهم في الحرب والسلم. وهذا من شأنه أن يكرّس فسادا تلو فساد على مختلف الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، ويؤدي إلى ما تشهده منطقتنا من واقع متخلّف منحدر من كل النواحي المذكورة.
إلاّ إنّ ما يميّز سوريا نظاماً وشعباً هو وقوفها التاريخي الصلد في رأس جبهة الممانعة والمقاومة العربية في وجه المشاريع الإمبريالية الأمريكية الصهيونية على مدى أربعة قرون، لم تتراجع خلالها يوما واحدا عن موقفها ذاك بالرغم من تساقط شقيقاتها العربيات واحدة تلو الأخرى في شباك العنكبوت الأمريكي الصهيوني، بدءاً من الكبرى مصر، إلى الصغرى البحرين، وبينهما كل الدول العربية بلا استثناء، وإن كانت بعض الدول العربية غيّرت مواقفها بعد سقوط الأنظمة العميلة بها كالسودان مثلا. فتميّزت سوريا في خضمّ هذا السقوط الجماعي العربي في حضيض ما سمّي بمشاريع التسوية والسلام، وفي حقيقتها هي الخيانة والاستسلام وإنْ جمّلوها بمساحيق إعلامية ودعائية كثيرة. وهذا التميّز السوري بواقعه الممانع يجعلنا نخرج بمجموعة من الاستنتاجات، منها أنّ ثبات سوريا لوحدها على قمة الممانعة العربية جعلها ويجعلها مستهدفة من قبل الذين سقطوا في حضيض العمالة، ومستهدفة من الدول الكبرى صاحبة ذلك الحضيض الموحل وعلى رأسها امريكا وربيبتها إسرائيل. أما عن استهدافها من قبل أخواتها الساقطات فلكي لا تحرجهم أمام شعوبهم بثباتها المشرّف، ولكي لا تحرجهم أمام أسيادهم الأمريكان من حيث فشلهم باستمالتها إلى حضيضهم بالرغم من كل إمكاناتهم المادية والإعلامية وتاريخهم الطويل بالمكر والخداع والنفاق. ولكي لا تحرجهم أمام أنفسهم وضمائرهم إن كان تبقى عندهم منها شيء. ولا يفوتنا أن نشير إلى علاقة سوريا الوطيدة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي تجعل عرب "الاعتلال" في أشدّ حرصهم على استهداف شقيقتهم الصامدة.
وأمّا استهداف سوريا من أمريكا والصهاينة والغرب فلحماية الكيان الصهيوني الغاصب في المقام الأول حيث سوريا بموقفها المقاوم شوكة في حلقه، بل خنجر في خاصرته، تقض مضجعه وتفشل كل مخططاته. وتُستهدف سوريا من قبل هؤلاء لهاثا وراء مصالحهم المعتمدة على رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط على أسس عرقية وطائفية تفتته إلى كنتونات صغيرة، وتكرّس المزيد المزيد من النزاعات بين تلك الكنتونات والدويلات بما يضمن سهولة السيطرة عليها وامتصاص خيراتها، وبما يضمن أمن الكيان الصهيوني الذي سيكون بمثابة "سي السيّد" لهذه المنطقة المبعثرة المتناحرة. وكذلك فإن علاقة سوريا بإيران العدو اللدود للإمبريالية الأمريكية وجوقتها دافع جوهري لاستهدافها من قبل هؤلاء المستكبرين.
إذن سوريا في مرمى الاستهداف الخارجي الغربي والعربي، بل هي في بؤرة هذا المرمى، لأن دورها الإقليمي وموقعها الاستراتيجي هما في بؤرة الأحداث الراهنة، ولأنها رقم صعب جدا في أية معادلة أو مشروع يُعمل عليه لإخضاع هذه المنطقة للهيمنة الغربية الصهيونية. ومثل هذا الاستهداف الشرس المحموم المستمرّ والذي يطوّر آلياته وأساليبه كل حين جعل عجلة الإصلاح الاجتماعي والسياسي في سوريا مشلولة، مكبّلة، لها عينٌ ونيّة، ولكن ليس لها يدٌ وقدم، لأنّ يدها وقدمها ظلّتا منشغلتين بطرد حشرات التآمر العنيدة عن السراج المقاوم في البيت السوري.
لكن من زاوية أخرى فما دامت سوريا مستهدفة هذا الاستهداف المؤكّد من جهات متعددة تترصّدها وتتحيّن الفرص للإيقاع بها بمختلف الوسائل، وتبحث عن أية ثغرة لديها تدخل منها لتلوي ذراعها لا بل لتهشّم وجهها المقاوم، وتصهرها في قالب العمالة لتعيد صياغتها تمثالاً وضيعاً على رفّ المشروع الأمريكي الصهيوني. إذن كان من الأجدر أن لا تدع الحكمة السورية أية ثغرة في قلعتها، أو أي جرح يمكن أن يتسمّم بفعل فاعل ويلتهب ويؤلم الجسد بكل مافيه. كان جديراً بل ملحّاً أن تسعى الحكمة والعقلانية السورية بالرغم من كل الضغوطات والانشغالات والتحديات إلى تكريس إصلاحات حقيقية سياسية واجتماعية، لتحصّن قلعتها المقاومة أتمّ تحصين، ولا تترك لأي ثعلب عربي أو غربي الفرصة أن يمسّ أمنها ووجودها بأي شكل من الأشكال. كان ينبغي لسوريا أن لا تتميّز بين كل العرب بمقاومتها وحسب بل بديمقراطيتها وتعدديتها، حتى تكون المقاومة فيها مستندة إلى دعامة ديمقراطية، فتعطي خير مثل على المقاومة الديمقراطية. وسوريا قيادة وشعباً هي الدولة التي تستحق فعلاً أن تكون كذلك، لسبب بسيط وواضح هو أنها رفضت لبوس التبعية والانقياد الذي لبسته كل شقيقاتها بلا استثناء. فهي تربة خصبة وقابلة لا لبذور الديمقراطية وحسب بل لغاباتها الكثيفة، ديمقراطية ذات نكهة سورية مقاومة لها رونق أجمل وأرقى لا نجده لدى الغرب الذي يمارس ديمقراطية قشرية تنطوي على قمع ناعم.
وقد بدأت عجلة الإصلاحات الحقيقية والجوهرية بالسير حثيثاً منذ نبّهت الاحتجاجات السلمية نوايا الإصلاح لدى المسؤولين، وجعلتهم يزيدون من تشمير سواعدهم، ويقفزون قفزات نوعية في هذا المضمار، رغبة حقيقية في الإصلاح السياسي والاجتماعي، وتفويتاً للفرصة على كل متربّص ماكر. وبتصاعد وتيرة الإصلاحات الجادة تصاعدت في المقابل وتيرة المؤامرة، وانكشف وجهها الحقيقي الممسوخ، فهي مؤامرة ركبت موجة المطالبات الشعبية المحقة، لتحقيق أهدافها الدنيئة في ضرب المقاومة، وعندما أظهر النظام السوري مرونة واستجابة ورغبة لم يتوقعوها في الإصلاح، وتجسيده سريعا على أرض الواقع، جُنَّ جنون المتآمرين، وأدركوا أن البساط يُسحب من تحت أرجلهم، فصعّدوا المواجهة المسلّحة الدموية والتي استهدفت العشرات بل المئات من رجال الأمن والجيش، فضلاً عن المدنيين، بغية كبح المسيرة الإصلاحية الحثيثة، وخلق أولوية ملحّة أمام النظام السوري تتقدّم على رحلة الإصلاح، وهي حماية الوطن وتحصينه وتطهيره من المخرّبين، وهي أولوية مشروعة ليس لسوريا وحسب، بل لكل دولة مستقلة تهدّد أمنها تنظيمات مسلّحة مموّلة وموجّهة من الخارج.
هذه الأولوية التي اضطرت إليها سوريا لتحصين داخلها ومنجزَها المقاوم، وتاريخها الممانع للأمبريالية والاستكبار العالمي، اضطرت إليها ودون إغفال أو تجميد لعربة الإصلاح، واستدعت تحرّك الجيش نحو المناطق المستهدفة، لتطهيرها من الفاسدين المتآمرين، وكانت تتربص أبواق الإعلام المسمومة المريضة فصورت تلك التحركات الشرعية للجيش السوري على أنها قمع واضطهاد للآمنين، وقتل للأبرياء، ومجابهة للمسالمين، وفبركت هذه الوسائل الإعلامية الرخيصة التي كشف بعضُ كوادرها وجهَها الممسوخ فهجروها مليّا كي لا يتلوثوا بمستنقعاتها القذرة، أمّا باقي الكوادر فهم مرتزقة رخيصون يعبدون الدينار، ويأتمرون بأمره في كل حال، أقول فبركت هذه الوسائل أفلاماً ومقاطع مكشوفة لأساليب قمع وقتل وسفك للدماء، يُستعمل فيها "الكاتشب" والأصباغ، ويتم تركيب ملفات صوتية حسب المزاج على تلك المشاهد، وإلى آخره من أساليب صارت بمتناول الجميع، وما عادت تنطلي حتى على الأطفال.
ختاماً فإنّ ما يجري في سوريا هو في صالح سوريا وليس ضدها، فلربّ ضارة نافعة، لأنّ نوايا الإصلاح الحقيقي التي كانت تراود المسؤولين السوريين على مدى سنوات طويلة سابقة، وكانت تحول دونها ظروف سياسية صعبة، حفّزها ماجرى، بل حقنها بالحماس والرغبة الأكيدة، وسرعان ما تجّسدت تطبيقاً عملياً على أرض الواقع تمثل بإلغاء قانون الطوارئ، وإقرار قانون الأحزاب، وإطلاق الحوار البناء مع مختلف القوى، وغيرها الكثير من مظاهر الإصلاح التي تكرست في وقت قياسي بالرغم من التحديات الصعبة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ ماحدث كشف جلياً سوسة كامنة في الجسم السوري لها ارتباطات خارجية كانت تتربّص وتتحيّن الفرص للانقضاض على الشموخ والكرامة السورية، لكنّها أخطأت حساباتها هي وأسيادها، وظنّوا أنهم وفي خضمّ الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين يمكن أن ينجحوا في سوريا، وهيهات، لأنّ السبب الذي أشعل الثورات التي تطلب رأس النظام في تلك البلاد غير متوفّر في سوريا، فتلك أنظمة عميلة خائنة مرتهنة للغرب، تخدم المشروع الصهيوأمريكي، أهدرت كرامة شعوبها، وفرشتهم سجّادا أحمر تحت أحذية الساسة الغربيين المتعاقبين، فكرهتها شعوبها وتقززت منها وصار أكبر همّ تلك الشعوب الخلاص من تلك الأنظمة الفاسدة مهما كانت التضحيات، وهذا ما كان في تونس ومصر، ونتمنى أن يتحقق في ليبيا واليمن والبحرين وكل أنظمة العمالة والسجود لأمريكا. لكن النظام السوري فالعدوّ قبل الصديق يشهد أنه قلب المقاومة والمناهضة للمشروع الصهيوأمريكي، والحاضن الكبير لحركات التحرر والممانعة، والمتحالف مع قوى الكرامة والعزة الإسلامية العربية، ولا تنقصه إلاّ إصلاحات ديمقراطية واجتماعية أخرتها ظروف صعبة، وعندما تتحقق بتمامها فستكون سوريا نموذجا يُحتذى في مقاومتها وديمقراطيتها وتعدديتها.