خطاب الرئيس بشار الاسد ... قراءة سريعة[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]بعد عشرة اشهر على هبّة بدأت على حدود الأردن في درعا، ثم توسّعت لتشمل غالبية المدن، بما فيها عاصمتي سوريا : دمشق وحلب، توجه الرئيس الأسد لشعبه بأربع خطابات، ثلاثة منها بين هبة آذار/مارس وشهر تموز/يوليو 2011.
كان خطاب يوم الأمس هو الرابع، وكان الأكثر انتظاراً من شعب سوريا ومن الأمة العربية، وكذلك من بعض المعترضين الوطنيين ومن الحكام العرب وقادة العالم المتابع والمهتم بأزمة سوريا الخانقة.
كان الرئيس قد وعد مرات عديدة بخطاب تاريخي، أطلق عليه اسم خطاب الانتصار، ولم يفعل. فما هي مبررات إطلالة الرئيس الأسد على شعبه البارحة في العاشر من كانون الثاني/يناير 2012 ؟
قمنا في المنتدى بطرح هذا السؤال وتناولنا قوة النظام التي تأتي من تماسك مكوناته السياسية والعسكرية.
أكـّدنا أن النظام لن يُسقـَط من متظاهر أو من مُحرّض أو من جار عثماني أو من أمير خليجي.
جزمنا أن دول العالم الغربي لن تجازف بتدخل عسكري في بلد يملك جيشاً يتصدى، ولا يملك نفطاً يسيل لعاب الغرب.
تطرقنا لقوة النظام نظراً لضعف وتمزق المعارضات بكل أطيافها ولتشرذم مطالبها القومية والدينية والليبرالية واليسارية، ولغياب قائد شعبي جريء واحد يعارض النظام في الداخل السوري، على رأس مظاهرة أو بقراءة صريحة لأخطاء النظام.
حنكة النظام السوري الموروثة من الرئيس الأب، ساهمت بالمماطلة في إيجاد حل للمأزق الذي تمر به سوريا، بيد أن ضعف النظام هذا، ساهم باستمرار الصراع الداخلي، وأكـّـد على وجود عصابات مسلحة لم يتمكن من السيطرة عليها، جزم النظام أن مخربين يتسللون وأسلحة تـُهرّب عبر الحدود، لم يتحكم بهم ولم يضبط الحدود.
جابه النظام مؤخراً عناصر فارة أو منشقة عن الجيش السوري النظامي، ولم يقدر على تجميد نشاطاتها المسلحة.
لعل أكثر ما كان يخشاه النظام هو إقامة منطقة آمنة من قبل تركيا، لكنه أجاد تحييد العثمانيين الجدد وأرجعهم عن هذه الفكرة التي تعتبر احتلالاً سيواجَه بالسلاح السوري. لم يأبه النظام للتدخل العسكري الغربي، معتمداً عل الفيتو الروسي وموقف الصين وبعض الدول الأعضاء في العالم، ولم يأبه لقرارات الجامعة العربية كونها لم تكن يوماً حاسمة ومثمرة، حتى في زمن الخالد جمال عبد الناصر، حين كانت السعودية والأردن ودول أخرى تعارض كل ما هو مفيد لأمتنا العربية، بإيحاءات غربية.
بقدر ما تغيّر النظام، من نظام ممانع متراص داخلياً، إلى نظام مواجهة داخلية وعربية وإقليمية وغربية، تغيّرت معه كل المعطيات التي سمحت لنظام سوريا بالشعور بالثقة بنفسه بعد لعبة المراقبين العرب وبعد الخلاف الشديد بين عناصر المعارضة، وبعد تراجع الدور التركي كلاعب محتل خطير على الحدود، وخاصة بعد أن حقق النظام بعض الانتصارات على بعض المنشقين وبعض العصابات في جسر الشغور وحماة وجبل الزاوية وحمص، تحديداً.
هذا ما دعا المهتم بشأن بلده سوريا ومعه بعض المعلقين العرب والأجانب، اعتبار الرئيس بشار الأسد قد ظهر واثقاً بنفسه ماسكاً بزمام الأمور في سوريا، مختلفاً عمّا كان عليه أثناء حواره مع الـ bbc منذ أسابيع. هذا لا يعني أن الوضع السوري يسير لصالح النظام على المدى المتوسط أو البعيد نسبياً، بل هو باق لمدة قد تصل إلى عام الانتخابات الرئاسية 2014.
إنه تكهن ليس إلاّ، فالتظاهر مستمر والتحريض عليه كذلك، وتصريحات قادة الغرب وتركيا وملوك وأمراء قطر والإمارات والسعودية التي لا تقل تحريضاً عن تحريض الفضائيات ومعارضة الخارج الكافيارية المرتاحة التي لا يمكن لشظية أن تصيبها. كل هذه المظاهر قد تضعف النظام في وقت لا يمكن حسبانه.
إن طوق النجاة الدولي الروسي-الصيني-الإيراني يعتبر من أكبر العناصر التي تطمئن النظام السوري على الصعيد السياسي في مجلس الأمن (الفيتو)، وعلى الصعيد الاقتصادي (مدد إيراني-عراقي ومُـتنشـَـق لبناني).
إن تخاذل واختلاف دول الجامعة العربية حول اتخاذ موقف من المأزق السوري، أعطى لهذا النظام قوة وثقة إضافيتين، فوصف الرئيس الأسد لدول الخليج دون تسميتها أمر لا يعارض عليه سوى المتآمر، فكلنا نذكر ما فعلته السعودية تجاه الخالد جمال عبد الناصر بتمويلها للإخوان لاغتياله في مصر، ولتمويلها حين كان في طريقه إلى الإقليم الشمالي.
معارض شهير لفت الانتباه حين لم يتمكن من ضبط نفسه باتفاقه مع ما جاء في خطاب الرئيس بشار، فيما يخص ترديد كلمة العروبة والاعتزاز بها، والتذكير بمقولة جمال عبد الناصر من أن سوريا قلب العروبة النابض، وكذلك ارتياحه من التهجم على "المستعربين الخليجيين".
سؤال آخر يفرض نفسه، وهو : لمن كانت رسائل الأسد موجهة في خطابه الذي طال انتظاره والذي طالت مدته (أكثر من نصف ساعة، جزء مكتوب قـُرأ من الرئيس، وآخر ارتجالي كان به الأسد أكثر أريحية) ؟
* رسالة إلى المعارضات السورية الخارجية الإخونجية والانتهازية والطامحة بالوصول لكرسي الحكم في سوريا ولو على أشلاء المتظاهرين المدنيين السلميين، المعارضات التي تطالب بعسكرة الهبّة السلمية، وبتحريض الجيش المنشق، وبتمويل العصابات المهربة للسلاح.
جزم بشار الأسد ان لا هوادة في التعامل مع هذه الفئات المسلحة، لأنها ستلاقي مواجهة بلا رحمة وسيلاحق النظام عناصرها في عقر دارها، أينما كانت، بوجود أو بغياب المراقبين العرب، فالرئيس الأسد لم يتعرض لذكر مهمة هؤلاء الملاحظين.
* رسالة الى المعارضة الوطنية الداخلية التي لم تمارس العنف والتي لم تستقوي بالغرب والتي لم تستخدم السلاح والتي لم تتوقف من الدعوة للتظاهر السلمي والتي رفضت فكرة إسقاط النظام عن طريق تدخل عسكري.
عرض الرئيس بشار على كل مكوناتها حواراً علنياً بلا وسطاء (أي في سوريا لا في القاهرة ... حوار مباشر دون تدخل الجامعة العربية). هذه الرسالة تتقاطع مع ما تمّ الترويج له من تشكيل حكومة برئاسة معارض سوري وطني.
* رسالة ثالثة وجهها الرئيس الأسد الى الجامعة العربية التي اعتبرها "هيكلاً بلا روح" مكونة من دول حيادية بلا شخصية، ودول تابعة بسبب ضغط أو وعد مادي، ودول تحترم نفسها، وأخرى متواطئة سمّاها "دولاً مستعربة لا تصنع أمماً" وقصد بها دول الخليج العربي.
بعد أن قام بوصف الجامعة العربية ودولها ودورها بهكذا حدّة، توقع الكثيرون خلال لحظات أن الرئيس بشار الأسد سيأخذ زمام المبادرة ليعلن انسحاب سوريا من جامعة باتت العروبة فيها تحتضر، لكنه لم يفعل، بل ركّز على عروبة سوريا وعلى كونها قلب العروبة النابض ذاكراً اسم الخالد جمال عبد الناصر، كما ذكر أعلاه.
ربط بشار الأسد صعوبة تطبيق الإصلاح في جو مجابهة المخربين، واعترف بفشل الانتخابات المحلية، ومع ذلك تطرق لتعديل الدستور ولإجراء استفتاء عليه (دون أن ينوه أن نتيجة الاستفتاء لن تكون أفضل من نتيجة الإقبال على الانتخابات المحلية)، لم يتطرق الرئيس الأسد سوى لذكر التعددية، دون تفسيرها، لم يقل كلمة واحدة عن الديمقراطية وحرية التعبير السياسي كبداية، لم يتطرق بشكل جازم لإلغاء المادة الثامنة من الدستور، لتحقيق معيار التعددية الحزبية.
تجاهل الرئيس الأسد الدخول بشكل جدّي ومفصّل حول النظام الديمقراطي التعددي الحر التبادلي، وحول التصالح الحقيقي بين أطياف ومكونات المجتمع السوري السياسية.
انتظر الكثيرون قرارات حاسمة وفورية التطبيق، كوقف العنف تجاه المتظاهرين، وكإطلاق سراح المعتقلين السياسين، وكوقف اعتقال المزيد من المواطنين، وكسحب كل الآلات العسكرية من شوارع المدن والقرى، لكنه تجاهل هذه المظاهر، بقدر ما تجاهل التطرق للمراقبين.
قراءة سريعة، يمكن اختصارها بأن الرئيس الأسد قد أرسل رسائل حاسمة لأعدائه وخصومه، لكن هل ينتظر هو رسالة ما، من طرف داخلي أو خارجي ؟ لقاؤه اليوم مع مواطني دمشق في ساحة السبع بحرات يؤكد كون الثقة بالنفس عادت إليه وكونه يملك زمام الأمور السياسية.
أما القرارات العسكرية، فكل شيء مجهول، فهي بأيد أخرى تدفع بالدبابات للشوارع حين تشاء وتخرجها حين ترغب، والرئيس الأسد يتجاهلها تماماً.
سوريا محمية من كل من يُحاول النيل منها.