رسائل أميركيّة ــ روسيّة تحمل ملامح تنضيج التسوية للأزمة السورية
محمد بلوط
الثلاثاء، 18 كانون الأول، 2012
هل صحيح ان ملامح التسوية في سوريا بدأت تتكوّن بين واشنطن وموسكو ام ان الازمة القائمة مرشحة للاستمرار طويلا؟
لا يملك المراقبون والمعنيون معا جوابا حاسما لمصلحة احد الخيارين، لكن المعطيات الاخيرة تدل على ان هناك شيئا ما تجري مقاربته لصياغة تفاهم اميركي - روسي يجري تنضيجه منذ اسابيع ويحتاج الى مزيد من الاخذ والردّ لبلورته قبل الشروع في طرحه لتنفيذه.
واذا كان الوضع السوري بات اكثر تعقيدا بفعل التطورات الميدانية الخطرة التي تشهدها سوريا وبفعل ازدياد وتيرة «التدخل العسكري بالواسطة» من قبل دول وجهات دولية واقليمية فإن فرص التسوية موجودة لا سيما في ضوء ما جرى من مفاوضات بين الإدارة الاميركية على مستوى وزراء الخارجية ومساعديهم.
ما هي المعطيات المتوافرة حول نتائج القتال الدائر في المناطق السورية وآفاقها؟
يقول مصدر ديبلوماسي مطلع ان التطورات الميدانية الاخيرة زادت من صعوبة مهمة النظام في تحقيق حسم عسكري قريب على المعارضة كما ان معركة دمشق الاخيرة اثبتت ان المجموعات المعارضة المسلحة غير قادرة على فرض ايقاعها وتحقيق الامر الذي تسعى اليه.
لكن المصدر يخشى من ان يؤدي الاندفاع المستمر في القتال والمعارك العسكرية لا سيما من قبل المعارضين بدعم وشحن وتدخل مباشر من بعض دول الخليج لا سيما السعودية وقطر الى اعاقة او تأخير ترجمة التسوية الاميركية - الروسية التي يجري تنضيجها.
ويقول المصدر ان هناك مواقف وتحركات تدل على ان التسوية المحتملة دخلت في مرحلة متقدمة وان الموفد الدولي الاخضر الابراهيمي ربما يكون قد وضع في اجوائها للتحرك في ضوئها قريبا.
ويشير في هذا المجال الى ان الموقف الاميركي الاخير بوضع «جبهة النصرة» (الاسم الحركي لتنظيم القاعدة) على اللائحة الاميركية السوداء واستبعادها من التحالف المعارض يعتبر احد عناصر بناء هذه التسوية باعتبار انه يشكل عامل اطمئنان لموسكو من جهة ويزيل المخاوف لدى بعض الدول المجاورة المؤثرة. كما انه يعطي المعارضة السورية «صبغة الاعتدال» التي تؤهلها لكي تكون شريكا في الحل.
وفي الوقت نفسه فإن مواقف موسكو الاخيرة ومنها كلام نائب وزير الخارجية بوغدانوف محسوب استلحاقا تعتبر في نظر المصدر رسالة ايضا الى واشنطن توازي الرسالة الاميركية لمقاربة التسوية مفادها انها تسعى الى اقناع النظام السوري بالموافقة على حل المرحلة الانتقالية بحكومة تضم اعضاء من المقربين من النظام واخرين من المعارضة الى حين الانتخابات الرئاسية في العام 2014.
وتأخذ روسيا في عين الاعتبار بقاء الرئيس بشار الاسد في موقعه خلال الفترة الانتقالية وامكانية ترشحه للرئاسة في الاستحقاق المقبل بينما لم يتّضح موقف واشنطن حتى الان من هذه النقطة لا سيما ان كلا من السعودية وقطر تسعيان الى استثناء الرئيس الاسد من المرحلة الانتقالية ويعملان لتحقيق ذلك.
وفي رأي المصدر الديبلوماسي ان هذه الرسائل المتبادلة بين واشنطن وموسكو متواصلة، وتترافق مع اتصالات تجريها الادارة الاميركية مع حلفائها السعودية وقطر والاتحاد الاوروبي، واخرى يقوم بها الكرملين مع الصين وايران ودول اخرى.
ووفق مضمون هذه الرسائل فان الولايات المتحدة اخذت في عين الاعتبار ان تكون التسوية للأمة السورية وفق النموذج اليمني مع تعديلات اضافية تأخذ في عين الاعتبار خصوصية الوضع السوري، وانها تدرك ان اي حل او منحى على طريقة النموذج الليبي او العراقي بالتدخل العسكري المباشر مستبعد لأن روسيا والصين وايران تقف بقوة في وجه مثل هذا التدخل، وان موسكو وبكين اخذتا درسا قويا من تجربة ليبيا.
ولذلك فان استبعاد واشنطن «جبهة النصرة» من المعارضة السورية يعتبر كاستدراج عروض، ومحاولة «لتنظيف» هذه المعارضة كما تصفها الدوائر الاميركية، لكسب موافقة روسيا على حل المرحلة الانتقالية، لكن موقع الرئيس الأسد يبقى النقطة التي لم يتضح بعد ما اذا كانت الادارة الاميركية تلتقي مع الكرملين حولها، خصوصاً ان موسكو ما تزال ترفض استبعاد دور الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية.
وفي نظر المصدر الديبلوماسي انه لا يجب التقليل من دور وتأثير السعودية وقطر اللتان تضغطان بكل الوسائل للتخلص من الرئيس الاسد في الحل او التسويةة التي يجري تنضيجها، وان «دفعة الدعم» الجديدة التي اعلنها وزير الخارجية السعودية في مؤتمر ما يسمى بأصدقاء سوريا في المغرب كانت تعبيراً واضحاً عن رغبة الرياض في الضغط بهذا الاتجاه.
لكن في الوقت نفسه تدرك كل من السعودية وقطر ان استمرار الازمة والصراع في سوريا وتفاقم الموقف فيها، يعني ان الانفجار الكبير في المنطقة وارد في كل وقت، وان هذا الانفجار ستتطاير شظاياه لتصيب البلدين.
وفي رأي المصدر الديبلوماسي ان الجواب على ماذا بعد دمشق لا يستثني دول الخليج التي لن تكون بمنأى عن رياح التغيير وروح الاصلاح السياسي والاجتماعي التي تتعزز في المنطقة.
أما تركيا، فيرى المصدر، انها تريد الخلاص بأي شكل من الاشكال بعد ان بدأت نتائج تورطها في الازمة السورية تنعكس بشكل سلبي وخطر عليها لا سيما على الصعيد الامني والاقتصادي مع انتشار المجموعات المسلحة للتنظيمات الاصولية المتطرفة على حدودها وتنامي الخلافات الطائفية والمذهبية التي لن تكون تركيا بمنأى عنها.
وتدرك انقرة ايضا ان علاقاتها الاقتصادية القوية مع روسيا وايران والتي يبلغ حجمها المئة مليار دولار تشكل عنصرا هاما واساسياً لها ولا يمكن التفريط بها، لذلك فهي تنظر الى التفاهم الروسي - الاميركي الذي يجري الحديث عنه في الكواليس بانه «خشبة خلاص» ليس لسوريا فحسب بل لها وللمنطقة.
متى يتوقع وضع التسوية حيز التنفيذ؟
يقول المصدر الديبلوماسي انه من الخطإ التسرع في وضع مواعيد او تواريخ لبدء التسوية المحتملة، لا سيما ان عناصرها لم تكتمل كلها او على الاقل لا تزال تحتاج الى المزيد من توفير المناخات الملائمة لها، لذلك فانه من غير الممكن طرح وقت محدد من الآن.
اين لبنان من كل ما يجري في ظل تفاقم الازمة السورية؟
يرى المصدر ان تزايد اعداد النازحين السوريين والفلسطينيين من سوريا يشكل عبئا كبيرا على لبنان ليس على مستوى تأمين اسباب العيش المؤقت او المساعدات المادية والعينية لهؤلاء فحسب بل ايضا على مستوى اثار وجودهم بهذا الشكل على الصعد السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية.
اما على صعيد حجم نتائج الوضع السوري على لبنان، فيعتقد المصدر ان لبنان محصّن نسبيا من تداعيات سلبية كبيرة، وان هناك شبه قرار دولي بابقائه مستقرا، مع العلم ان لبنان ليس على «خارطة التغيير»، وان واشنطن والغرب يفضلان استمرار الوضع على ما هو عليه نظراً لخصوصية مكوناته.
ويشير في هذا المجال الى اجتماع الـ«ميني مجلس الامن» الذي حصل في قصر بعبدا بعد اغتيال اللواء وسام الحسن بين سفراء الدول الكبرى ورئيس الجمهورية وما صدر بعد ذلك عن مممثلي هذه الدول من موقف يشدد على الاستقرار في لبنان وعدم الوقوع في الفراغ، ما يؤكد القرار بعدم المسّ بالوضع اللبناني.
الديار
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
محمد بلوط
الثلاثاء، 18 كانون الأول، 2012
هل صحيح ان ملامح التسوية في سوريا بدأت تتكوّن بين واشنطن وموسكو ام ان الازمة القائمة مرشحة للاستمرار طويلا؟
لا يملك المراقبون والمعنيون معا جوابا حاسما لمصلحة احد الخيارين، لكن المعطيات الاخيرة تدل على ان هناك شيئا ما تجري مقاربته لصياغة تفاهم اميركي - روسي يجري تنضيجه منذ اسابيع ويحتاج الى مزيد من الاخذ والردّ لبلورته قبل الشروع في طرحه لتنفيذه.
واذا كان الوضع السوري بات اكثر تعقيدا بفعل التطورات الميدانية الخطرة التي تشهدها سوريا وبفعل ازدياد وتيرة «التدخل العسكري بالواسطة» من قبل دول وجهات دولية واقليمية فإن فرص التسوية موجودة لا سيما في ضوء ما جرى من مفاوضات بين الإدارة الاميركية على مستوى وزراء الخارجية ومساعديهم.
ما هي المعطيات المتوافرة حول نتائج القتال الدائر في المناطق السورية وآفاقها؟
يقول مصدر ديبلوماسي مطلع ان التطورات الميدانية الاخيرة زادت من صعوبة مهمة النظام في تحقيق حسم عسكري قريب على المعارضة كما ان معركة دمشق الاخيرة اثبتت ان المجموعات المعارضة المسلحة غير قادرة على فرض ايقاعها وتحقيق الامر الذي تسعى اليه.
لكن المصدر يخشى من ان يؤدي الاندفاع المستمر في القتال والمعارك العسكرية لا سيما من قبل المعارضين بدعم وشحن وتدخل مباشر من بعض دول الخليج لا سيما السعودية وقطر الى اعاقة او تأخير ترجمة التسوية الاميركية - الروسية التي يجري تنضيجها.
ويقول المصدر ان هناك مواقف وتحركات تدل على ان التسوية المحتملة دخلت في مرحلة متقدمة وان الموفد الدولي الاخضر الابراهيمي ربما يكون قد وضع في اجوائها للتحرك في ضوئها قريبا.
ويشير في هذا المجال الى ان الموقف الاميركي الاخير بوضع «جبهة النصرة» (الاسم الحركي لتنظيم القاعدة) على اللائحة الاميركية السوداء واستبعادها من التحالف المعارض يعتبر احد عناصر بناء هذه التسوية باعتبار انه يشكل عامل اطمئنان لموسكو من جهة ويزيل المخاوف لدى بعض الدول المجاورة المؤثرة. كما انه يعطي المعارضة السورية «صبغة الاعتدال» التي تؤهلها لكي تكون شريكا في الحل.
وفي الوقت نفسه فإن مواقف موسكو الاخيرة ومنها كلام نائب وزير الخارجية بوغدانوف محسوب استلحاقا تعتبر في نظر المصدر رسالة ايضا الى واشنطن توازي الرسالة الاميركية لمقاربة التسوية مفادها انها تسعى الى اقناع النظام السوري بالموافقة على حل المرحلة الانتقالية بحكومة تضم اعضاء من المقربين من النظام واخرين من المعارضة الى حين الانتخابات الرئاسية في العام 2014.
وتأخذ روسيا في عين الاعتبار بقاء الرئيس بشار الاسد في موقعه خلال الفترة الانتقالية وامكانية ترشحه للرئاسة في الاستحقاق المقبل بينما لم يتّضح موقف واشنطن حتى الان من هذه النقطة لا سيما ان كلا من السعودية وقطر تسعيان الى استثناء الرئيس الاسد من المرحلة الانتقالية ويعملان لتحقيق ذلك.
وفي رأي المصدر الديبلوماسي ان هذه الرسائل المتبادلة بين واشنطن وموسكو متواصلة، وتترافق مع اتصالات تجريها الادارة الاميركية مع حلفائها السعودية وقطر والاتحاد الاوروبي، واخرى يقوم بها الكرملين مع الصين وايران ودول اخرى.
ووفق مضمون هذه الرسائل فان الولايات المتحدة اخذت في عين الاعتبار ان تكون التسوية للأمة السورية وفق النموذج اليمني مع تعديلات اضافية تأخذ في عين الاعتبار خصوصية الوضع السوري، وانها تدرك ان اي حل او منحى على طريقة النموذج الليبي او العراقي بالتدخل العسكري المباشر مستبعد لأن روسيا والصين وايران تقف بقوة في وجه مثل هذا التدخل، وان موسكو وبكين اخذتا درسا قويا من تجربة ليبيا.
ولذلك فان استبعاد واشنطن «جبهة النصرة» من المعارضة السورية يعتبر كاستدراج عروض، ومحاولة «لتنظيف» هذه المعارضة كما تصفها الدوائر الاميركية، لكسب موافقة روسيا على حل المرحلة الانتقالية، لكن موقع الرئيس الأسد يبقى النقطة التي لم يتضح بعد ما اذا كانت الادارة الاميركية تلتقي مع الكرملين حولها، خصوصاً ان موسكو ما تزال ترفض استبعاد دور الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية.
وفي نظر المصدر الديبلوماسي انه لا يجب التقليل من دور وتأثير السعودية وقطر اللتان تضغطان بكل الوسائل للتخلص من الرئيس الاسد في الحل او التسويةة التي يجري تنضيجها، وان «دفعة الدعم» الجديدة التي اعلنها وزير الخارجية السعودية في مؤتمر ما يسمى بأصدقاء سوريا في المغرب كانت تعبيراً واضحاً عن رغبة الرياض في الضغط بهذا الاتجاه.
لكن في الوقت نفسه تدرك كل من السعودية وقطر ان استمرار الازمة والصراع في سوريا وتفاقم الموقف فيها، يعني ان الانفجار الكبير في المنطقة وارد في كل وقت، وان هذا الانفجار ستتطاير شظاياه لتصيب البلدين.
وفي رأي المصدر الديبلوماسي ان الجواب على ماذا بعد دمشق لا يستثني دول الخليج التي لن تكون بمنأى عن رياح التغيير وروح الاصلاح السياسي والاجتماعي التي تتعزز في المنطقة.
أما تركيا، فيرى المصدر، انها تريد الخلاص بأي شكل من الاشكال بعد ان بدأت نتائج تورطها في الازمة السورية تنعكس بشكل سلبي وخطر عليها لا سيما على الصعيد الامني والاقتصادي مع انتشار المجموعات المسلحة للتنظيمات الاصولية المتطرفة على حدودها وتنامي الخلافات الطائفية والمذهبية التي لن تكون تركيا بمنأى عنها.
وتدرك انقرة ايضا ان علاقاتها الاقتصادية القوية مع روسيا وايران والتي يبلغ حجمها المئة مليار دولار تشكل عنصرا هاما واساسياً لها ولا يمكن التفريط بها، لذلك فهي تنظر الى التفاهم الروسي - الاميركي الذي يجري الحديث عنه في الكواليس بانه «خشبة خلاص» ليس لسوريا فحسب بل لها وللمنطقة.
متى يتوقع وضع التسوية حيز التنفيذ؟
يقول المصدر الديبلوماسي انه من الخطإ التسرع في وضع مواعيد او تواريخ لبدء التسوية المحتملة، لا سيما ان عناصرها لم تكتمل كلها او على الاقل لا تزال تحتاج الى المزيد من توفير المناخات الملائمة لها، لذلك فانه من غير الممكن طرح وقت محدد من الآن.
اين لبنان من كل ما يجري في ظل تفاقم الازمة السورية؟
يرى المصدر ان تزايد اعداد النازحين السوريين والفلسطينيين من سوريا يشكل عبئا كبيرا على لبنان ليس على مستوى تأمين اسباب العيش المؤقت او المساعدات المادية والعينية لهؤلاء فحسب بل ايضا على مستوى اثار وجودهم بهذا الشكل على الصعد السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية.
اما على صعيد حجم نتائج الوضع السوري على لبنان، فيعتقد المصدر ان لبنان محصّن نسبيا من تداعيات سلبية كبيرة، وان هناك شبه قرار دولي بابقائه مستقرا، مع العلم ان لبنان ليس على «خارطة التغيير»، وان واشنطن والغرب يفضلان استمرار الوضع على ما هو عليه نظراً لخصوصية مكوناته.
ويشير في هذا المجال الى اجتماع الـ«ميني مجلس الامن» الذي حصل في قصر بعبدا بعد اغتيال اللواء وسام الحسن بين سفراء الدول الكبرى ورئيس الجمهورية وما صدر بعد ذلك عن مممثلي هذه الدول من موقف يشدد على الاستقرار في لبنان وعدم الوقوع في الفراغ، ما يؤكد القرار بعدم المسّ بالوضع اللبناني.
الديار
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]