واشنطن تفرج عن وثيقة أمنية سرية عن أزمة الثمانينات في سورية:
واشنطن تفرج عن وثيقة أمنية سرية تكشف أكاذيب "الأخوان المسلمين" عن أزمة الثمانينيات
"ما حصل في الثمانينات كان مجرد حملة أكاذيب أخوانية و ما سمي بمجازر حماه عام 1982 لم تسفر عن مقتل أكثر من ألفي شخص بينهم المئات من مسلحي الأخوان"
أما أرقام 40 و 30ألف أرقام سخيفة اصطنعها الأخوان
أفرجت إدارة الأرشيف الوطني الأميركي مؤخرا عن وثيقة أمنية سرية تعود إلى أيار / مايو من العام 1982 ، وتتعلق بالمواجهات المسلحة التي كانت دائرة آنذاك بين السلطة في سوريا و الأخوان المسلمين. وبحسب الوثيقة التي أعدتها الاستخبارات العسكرية الأميركية ، والتي حملت عنوان "سوريا : الأخوان المسلمون يكثفون الضغط" ، ونشرتها مجلة "فورن بوليسي"، فإن المعلومات الرائجة في الإعلام عما حصل في سوريا آنذاك، وبشكل خاص ما سمي "مجازر"، عبارة عن كذبة كبيرة وبروباجندا إعلامية صنعها الأخوان المسلمون ومن كان يقف وراءهم.
خلفية موجزة :
تشير الوثيقة إلى أن الأخوان المسلمين ، الذين تأسست حركتهم في العام 1937 (الصحيح في العام 1945) بمبادرة من الشيخ الأزهري مصطفى السباعي، لم يصبحوا حزبا معارضا إلا بعد وصول البعثيين العلمانيين إلى السلطة في العام 1963. وكان أول نشاط عملي معارض لهم ضد السلطة الجديدة في العام 1964 حين حرضوا على القيام بأعمال شغب في حماة سرعان ما تحولت إلى عصيان كامل اضطر "رجل السلطة القوي الفريق أمين الحافظ إلى إرسال الجيش إلى حماة ومحاصرتها قبل سحق العصيان الذي قاده الأخوان المسلمون". وبعد ذلك جرى التشديد على قمع أنشطتهم، ما اضطر الكثيرين منهم إلى الفرار إلى الأردن ولبنان والسعودية وبقية دول الخليج. وبعد وصول مجموعة "23 شباط/فبراير"(صلاح جديد ورفاقه) إلى السلطة في العام 1966، والذي أخرج مجموعة منها مجموعة أمين الحافظ ، صعّد الأخوان المسلمون من معارضتهم ضد السلطة الجديدة.
بعد ذلك ، تتابع الوثيقة، بدأ الأخوان المسلمون توسيع أنشطة جناحهم السري(العسكري)من خلال عمليات العنف السياسي، رغم أنهم تجنبوا تبني تلك العمليات (الاغتيالات التي بدأت باغتيال رئيس فرع المخابرات العامة في حماة الرائد محمد غرة، العام 1976) ، علما بأن هذا الجناح كان ظهر إلى الوجود بعد القمع الذي تعرضوا له زمن الجنرال أمين الحافظ ، حيث عرف هذا الجناح تحت أسماء مختلفة مثل "شباب محمد" و"جند الله" و "الشباب المؤمن" و"الطليعة الإسلامية" ، فضلا عن أسماء أخرى. وكان القائد الأول لهذا الجناح هو الدكتور عدنان المصري الذي أعدم في العام 1965. وقد خلفه في رئاسة التنظيم الشيخ مروان حديد إلى حين وفاته في العام 1976 ، ليخلفه عدنان عقلة. وطيلة تلك الفترة كانت معارضة الأخوان المسلمين للبعثيين محدودة ، ولم يشعروا بقدرتهم على تحدي حكمهم إلا في العام 1979.
وطبقا للوثيقة، كان مخططا لمجزرة مدرسة المدفعية في حلب (16 حزيران / يونيو1979 )،التي قتل فيها خمسون من الطلاب الضباط (العلويين الذين جرى انتقاؤهم من بين طلاب المدرسة) ، والتي دبرها الأخوان المسلمون، أن تكون "بداية الهجوم الإخواني وفي صيف العام 1980 ، تمكن الأسد من كسر العمود الفقري لهجوم الأخوان المسلمين بعد أشهر من المعارك الدموية بين قوات الحكومة وعناصر جهازهم السري. غير أن الطبيعة العملية للسوريين جعلتهم يدركون أن الأسد حقق لسوريا أفضل استقرار منذ العام 1946 حين استقلالهم عن فرنسا.
قيادة جديدة للأخوان المسلمين : تحد جديد
تقول الوثيقة تحت هذا العنوان إن هزيمة العام 1980 أدت إلى عزل عصام العطار من منصب المرشد العام للأخوان المسلمين في سوريا ، الذي كان استلم المنصب من السباعي. ولكن هذا ليس صحيحا. فعصام العطار كان مراقبا عاما للأخوان خلال الفترة 1964 ـ 1973 ، وهو الثاني في الترتيب بعد المؤسس مصطفى السباعي. أما الفترة التي تتحدث عنها الوثيقة فكان المراقب العام خلالها هو الدكتور عدنان سعد الدين ( 1976 ـ 1980)، وهو الرابع في الترتيب بعد عبد الفتاح أبو غدة. وتتابع الوثيقة لتقول إن القيادة الجديدة تكونت من عدنان سعد الدين والشيخ سعيد حوا ( وليس سعيد حاوي كما ذكرت الوثيقة) وعلي صدر البيانوني، أما الجهاز السري(العسكري) فأسندت قيادته لعدنان عقلة.
وعن عدنان سعد الدين تقول الوثيقة إنه كان عضوا في الجماعة منذ العام 1943 ، وإنه اكتسب خبرة واسعة في العمل السري في إطار الجناح العسكري . لكن الأمر ليس دقيقا . فسعد الدين ، وكما قالت شقيقته السيدة نجاح سعد الدين (أم عبد الرحمن) لمحرر هذه الترجمة في إفادة خاصة العام 2003 ، وهي مدرسة لغة عربية سابقة و واسعة الثقافة وعلى خلاف جذري مع شقيقها، إن شقيقها ـ المولود في حماة العام 1929 ـ لم يكن عضوا في الجماعة قبل تخرجه في "جامعة فؤاد الأول"(القاهرة) في العام 1955، وربما لم يصبح عضوا فيها إلا بعد أن تخرج بإجازة جامعية ثانية في الحقوق في الجامعة نفسها العام 1960(إجازته الجامعية الأولى كانت في اللغة العربية وآدابها).
أما الشيخ سعيد حوا ، وبالعودة إلى الوثيقة، فكان في قيادة الجناح السري منذ العام 1965 إلى العام 1976 ، قبل أن يهرب من سوريا إلى الأردن العام 1980، ومنها إلى أوربا . وهو يعتبر عالم دين شهيرا نشر العديد من الكتب في الشريعة والفقه والتفسير. لكن الوثيقة تغفل أمرا هاما جدا وهو أن سعيد حوا اعتقل في العام 1973 (وليس العام 1976 ) وأطلق سراحه في معمعة الأحداث حين كان الأخوان المسلمون يقومون بحملة اغتيالات وتفجيرات العام 1978، وليس العام 1977 ، كما تقول الوثيقة.
وبشأن المحامي البيانوني ، الحلبي المولد ، تقول الوثيقة إنه كان الرجل الثالث في القيادة ، وتشير إلى أنه يبلغ من العمر(آنذاك) 45 عاما ، وأنه انضم إلى الجماعة السلفية (الأخوان) العام 1943. وهذا أيضا غير دقيق . فهو من مواليد العام 1938، والأخوان لم تتأسس حركتهم رسميا إلا في العام 1945 ـ 1946. أما هو فلم يصبح عضوا إلا في العام 1952. وهو لم يكن ضابطا في الجيش كما تزعم الوثيقة، بل مدرس ومحام خدم خدمة العلم برتبة ضابط مجند مثله في ذلك مثل جميع السوريين حملة الإجازات الجامعية.
تتابع الوثيقة الحديث فتقول إن الاعتقالات في صفوف الجماعة استمرت بعد أن كسر الأسد شوكتها في العام 1980، لكن هيكلها التنظيمي بقي سليما، وكان يقدر آنذاك بحوالي عشرة آلاف عضو، فضلا عن ألف من الجناح السري (العسكري). وكان على رأس أولويات القيادة الجديدة إعادة بناء التنظيم وتجميعه و"الاستعداد لجولة جديدة من القتال ضد البعثيين ".
في كانون الأول / ديسمبر العام 1980 أعلن سعيد حوا والبيانوني تأسيس "الجبهة الإسلامية" من خلال مقابلة مع صحيفة "دي فيلت"(العالم) الألمانية .لكن هذا غير دقيق أيضا. فالجبهة كان أعلن عنها في تشرين الثاني / نوفمبر من خلال البيان الشهير "بيان الثورة الإسلامية المسلحة في سوريا ومنهاجها". وتصف الوثيقة هذا الإعلان بأنه كان مجرد بروباجندا، لكنها تعتبره أيضا بداية نشاط جديد في الاتصالات مع جهات إقليمية
تكتيكات (الأخوان) لإسقاط نظام الأسد :
تقول الوثيقة إن الأخوان حاولوا آنذاك الحصول على دعم معارضي الأسد من أنصار الرجل القوي صلاح جديد ، والذي كان معتقلا منذ العام 1970. وبحسب الوثيقة، فإن العراق لعب دورا في تنظيم جهود الفريقين للإطاحة بالأسد .
تتابع الوثيقة القول إن الأخوان طوروا خطة أكثر تعقيدا من خطة العام 1979ـ1980. ففي السابق ، حاولت الجماعة إطاحة النظام وحدها، وهو ما وفر للأسد فرصة لاستغلال اتجاهها التكفيري من أجل الحصول على تأييد القوى الوسطية ، حيث أطلق حملة أمنية ضدهم على امتداد المجتمع السوري كله.
حيث تركزت الخطة على نشاطين رئيسين : ثورة مسلحة قوية في حماة تستدرج ثورات مماثلة في مدن أخرى وإضرابا عاما يشل سوريا، وانقلاب عسكري متزامن من قبل أنصار صلاح جديد في الجيش. وبالتزامن مع الخطة، جرى إعداد حملة دعائية (بروباجندا) عنيفة بهدف دعم العصيان في مدينة حماة وإبراز انتصاراته فيها من أجل تشجيع المدن الأخرى على المشاركة في العصيان، مع التخطيط لأنشطة إعلامية في أوربا وأمريكا ، فضلا عن برامج إخبارية إذاعية عبر إذاعة الكتائب في لبنان ("صوت لبنان الحر"، وهي للقوات اللبنانية وليست للكتائب كما تقول الوثيقة) و إذاعة "صوت سوريا العربية" من بغداد . مع التركيز على أحداث حماة في العام السابق (1980)، والتأكيد على أن نظام الأسد معزول تماما داخل سوريا وفي العالم العربي. وبحلول تموز / يوليو من العام 1981 ، نجح الأخوان المسلمون في ترتيب عملية تسلل نخبة جهازهم العسكري من الأردن والعراق وتركيا إلى مدينة حماة . وكان حوالي 100 مقاتل جرى نقلهم من الأردن إلى العراق حيث تلقوا تدريبات مكثفة قبل إعادة إرسالهم إلى سوريا . وخلال التحضير لعملية حماة ( أيلول / سبتمبر أو تشرين الأول / أكتوبر) ، قام جهازهم السري بمهاجمة دار الحكومة في المدينة وسرقة مئات من بطاقات الهوية الفارغة لاستخدامها من قبل الجهاز السري للجماعة، كما نفذوا "عمليات تفجير إرهابية" في مختلف أنحاء سوريا بهدف زعزعة الاستقرار وإثبات أن "النظام " لا يستطيع السيطرة على البلاد.
المخابرات السورية تكشف الخطة:
تقول الوثيقة إن المخابرات السورية تمكنت من اكتشاف مخطط للضباط للقيام بانقلاب بداية العام 1982، حيث انقضت على المعارضين في الجيش بالتزامن مع تكثيف جهودها لاجتثاث البنية التحية للجماعة. وقد شملت هذه الخطة مدينة درعا القريبة من الحدود الأردنية التي جرى تمشيطها بيتا بيتا. وبحلول أواخر كانون الثاني / يناير 1982 ، ظهرت مؤشرات على نية الحكومة تمشيط حماة أيضا بالطريقة نفسها ، وهو ما كان سيؤدي إلى اعتقال حوالي 200 مسلح من قوات نخبة الأخوان المسلمين الذين تسللوا إلى المدينة.
إلا أن ما تذكره الوثيقة هنا ينطوي على مغالطات فاضحة. فما جرى في درعا ، وفق معلومات مؤكدة لمحرر هذه الترجمة، كان عبارة عن وشاية كبيرة قام بها القيادي الأخواني" الدكتور غسان أبا زيد"، الذي شكّل أحد أكبر الاختراقات الأمنية السورية في صفوف جماعة الأخوان المسلمين، حيث سلمهم قرابة 380 عضوا من أعضاء الجماعة وأنصارها، لاسيما منهم من كان يتعامل مع المخابرات الأردنية. وبقي ينشط لصالح المخابرات السورية في صفوف الجماعة قرابة عشرين عاما إلى أن عاد إلى سوريا لاحقا حيث جرى "تعيينه" عضوا في "مجلس الشعب"، قبل أن يقتل بصهريج وقود دهس سيارته على طريق درعا بينما كان في طريقه لقضاء إجازته الأسبوعية مع أفراد عائلته. وبحسب معلومات (أردنية المصدر) تقول إنه قتل بقرار من الجماعة بعد اكتشاف أمره على أثر عودته إلى سوريا!؟
أما بشأن انقلاب الضباط , فمن جرى اعتقالهم كانوا جميعا من القوى البحرية ، فضلا عن زملاء لهم في القوى البرية المرابطة في دمشق وما حولها ، أبرزهم العميد صلاح حلاوة ، قائد الفوج مدفعية ميدان (65) في ريف دمشق، والعميد تيسير لطفي ، والعميد نذير السقا. وقد حكم عليهم بالإعدام من قبل محكمة ميدانية صادق مصطفى طلاس على أحكامها، لكن الرئيس حافظ الأسد رفض التصديق عليها "بالنظر لكونهم أبلوا بلاء حسنا في حرب تشرين ، ولا يعدم ضابط كانوا من أبطال حرب تشرين"، كما كتب الأسد الأب على حاشية قرار الحكم ، والتي اطلع عليها محرر هذه الترجمة العام 1999 بفضل مدير سجن المزة العسكري (العقيد بركات العش) ، حيث كانوا معتقلين حتى نقلهم إلى صيدنايا في آب / أغسطس 2000. وقد أفرج عنهم في العام 2004 .وكان مع هؤلاء عدد من الطيارين أبرزهم رفيق الحمامي، محمود كيكي، بشار العشي. وهؤلاء أيضا لم تنفذ بحقهم أحكام الأعدام. وكان هؤلاء جميعا من الأخوان المسلمين و"بعث العراق".
تتابع الوثيقة فتقول إن الجماعة قررت ـ على أثر اكتشاف تلك المؤشرات ـ إطلاق خطتها قبل اكتمال التحضيرات ، آمله أن تستطيع تحريض المدن الأخرى من خلال استخدام سلاح البروباجندا الكاذبة انطلاقا من لبنان والعراق. ورأت الجماعة أن هناك فرصة متاحة لإسقاط نظام الأسد رغم انكشاف خطة الانقلاب العسكري . واعتقدت الجماعة أنه حتى لو فشلت الحركة، فإن عصيان حماة سيصبح مركز استقطاب للتحركات ضد الحكومة من خلال استفزازها وإرغامها على استخدام أقصى درجات القوة ضدها ، وهو ما سيسبب بدوره انقلابا في موقف السوريين من حافظ الأسد وحكومته.
هكذا، وفي أواخر كانون الثاني / يناير 1982، انتقل عدنان سعد الدين وسعيد حوا وعلي البيانوني من بروكسل (مقر قيادة الحلف الأطلسي!!) إلى غرفة عمليات سرية جرى إعدادها داخل سوريا لقيادة العصيان. وفي 2 شباط /فبراير انطلقت مآذن الجوامع في حماة بالدعوة للجهاد ضد الحكومة ، مع توجيه الناس إلى مساجد محددة جرى تحويلها إلى مخازن سلاح . وفي الوقت نفسه قام عناصر من الجهاز السري للجماعة يرتدون ملابس الجيش بالهجوم على المراكز الحكومية في المدينة. وكان من أبرز المراكز التي هوجمت "سجل النفوس المدني" ، حيث جرى إحراقه بزعم أن المخابرات تستخدمه أداة لـ"تحديد النسل"!! (معتادون طوال تاريخهم على الشعوذة وفبركة الخرافات!). وفي الآن نفسه هاجم مسلحوهم مخافر الشرطة والمراكز الأمنية ومقرات حزب البعث والوحدات العسكرية ( كما حصل صيف العام 2011، حين قام زعران فاروق طيفور باختطاف عناصر الشرطة من مخفر حي الحاضر قبل ذبحهم بالسكاكين وإلقائهم من فوق جسر كازو / الضاهرية شمال المدينة!). وهو ما اضطر الحكومة إلى سحب الجيش والشرطة إلى خارج المدينة بعد عدة أيام من المعارك العنيفة. وعندها قام عناصر الجماعة بتنظيم الدفاع عن المدينة لمنع الحكومة من دخولها مرة أخرى. وقد انضم إلى المقاتلين مئات آخرون ليصبح عددهم حوالي 400 مقاتل يوم 2 شباط / فبراير ، ثم ألف مقاتل بعد ثلاثة أيام ، كانوا جميعهم من عناصر التنظيم وأهالي المدينة. وفي 9 من الشهر ذاته نشرت قيادة "الثورة الإسلامية" بيانا من إذاعة "صوت سوريا "في العراق تحدث عن السيطرة الكاملة على حماة وعن إعدام 50"جاسوسا ومخبرا" أسديا وعن "انشقاق الجزء الأكبر من اللواء 47" (الذي يرابط تاريخيا في منطقة الرستن)، وعن رفض الطيارين قصف المدينة !( تماما كما حصل في العام 2011!!). وأضاف البيان أن "الثورة انتشرت من حماة إلى باقي الوحدات العسكرية في ميناء اللاذقية ( "انقلاب البحرية" الذي تحدث المترجم عنه أعلاه) وفي منطقة تدمر في الصحراء. كما تحدث عن مواجهات في حلب وعن ثلاثة آلاف قتيل وجريح في صفوف قوات الحكومة. وفي اليوم التالي ( 10 شباط / فبراير) جرى توسيع البروباجندا ، حيث صدر بيان من العاصمة الألمانية (بون ، آنذاك) يؤكد تحرير حماة وفشل قوات الحكومة في استعادتها ، وتأكيد مقتل ثلاثة آلاف من قوات الحكومة ، والانشقاقات في اللواء 47 . وفي 11 من الشهر نفسه صرح مصدر إخواني من "هونغ كونغ" (التي كانت قاعدة بريطانية آنذاك!!) أن إذاعة حلب سقطت بأيدي الثوار . وفي باريس صرح مصدر أخواني ، نقلا عن مصدر في بون، أن 3000 إلى 4000 مقاتل من الجيش انضموا إلى الثورة الإسلامية في حماة ، بينما أضاف مصدر أخواني من فيينا في النمسا أن ألفي جندي قتلوا و ثلاثة آلاف جرحوا ، وأن القتال انتشر إلى دمشق واللاذقية وحلب والمناطق الشرقية من سوريا! (غني عن البيان أن هذا كان في معظمه كذبا ودجلا. فالمعارك التي كانوا يتحدثون عنها مجرد مواجهات محدودة بين مجموعات صغيرة من المسلحين والأجهزة الأمنية. فهم ، بوصفهم أكبر مجموعة دجل عرفها التاريخ البشري، اعتمدوا دائما على سياسة التوريط!).
في 14 من الشهر نفسه ، صرح مصدر أخواني من تركيا بأن قطاعات كبيرة من طريق دمشق ـ حمص ـ حلب أصبحت تحت سيطرة الثورة الإسلامية ( في الواقع، كما تقول الوثيقةـ كان الطريق مفتوحا تماما أمام حركة المرور منذ 11 من الشهر، ولم يكن صحيحا ما قالوه). وفي 15 من الشهر أعلنت إذاعة "لبنان الحر" (القواتية) أن خمسة آلاف جندي هربوا إلى لبنان . لكن في الواقع ، وبخلاف أكاذيبهم كما تقول الوثيقة نفسها ، كانت الحكومة استعادت أغلب مدينة حماة في ذلك التاريخ ، وكان المسلحون الإسلاميون تشتتوا في نقاط متفرقة من المدينة القديمة في حماة. وقد استمرت بروباجندا الأخوان رغم ذلك ، حيث دعا سعيد حوا في 16 من الشهر نفسه، عبر "صوت سوريا" من بغداد، إلى الجهاد في كل سوريا ، معلنا أن الجهاد "فرض على كل سوري قادر على حمل السلاح". كما وأعلن عن عصيان مدني مفتوح إلى حين سقوط حكومة الأسد. وفي العشرين من الشهر دعت الإذاعة نفسها الشعب السوري إلى التوحد بوجه الأسد ، وأشارت إلى أن "القيادة الدينية" في سوريا (مشايخ الأخوان)أصدرت فتوى تحرم على أي مسلم دفع الضرائب للحكومة. وفي 25 من الشهر نفسه نقلت صحيفة "كرستيان ساينس مونيتور" الأميركية بيانا عن جماعة الأخوان المسلمين زعمت فيه أن "الجبهة الإسلامية" سيطرت على القاعدة البحرية شمال اللاذقية ( قاعدة "مينة البيضا") ، وأنها أصبحت تملك غواصتين (لم يكن يومها في البحرية السورية أية غواصات!!).
وتقول الوثيقة "رغم كل هذه البروباجندا ، لم ينتشر العصيان إلى خارج حماة ، باستثناء بعض عمليات التفجير في دمشق وأماكن أخرى"!
النتائج:
تقدر الوثيقة عدد القتلى والضحايا في مدينة حماة بحوالي ألفي قتيل فقط ، منهم ما بين 300 إلى 400 من نخبة قوات الأخوان المسلمين، وهو ما يعادل ثلث مسلحيهم في عموم أنحاء سوريا. ومن الناحية العسكرية، تمكنت الحكومة من إلحاق هزيمة بالمتطرفين السلفيين الذين سيحتاجون بضع سنوات قبل أن يستعيدوا قوتهم ويتمكنوا من تحدي الحكومة مرة أخرى. وقد وفر العصيان مبررات قوية للرئيس الأسد لتمشيط حماة وتصفية قواعد الأخوان المسلمين فيها. لكن، ومن ناحية أخرى، أثبت الأخوان المسلمون قدرتهم على شن حملة معقدة من بروباجندا الأكاذيب ومن العمليات العسكرية، فضلا عن توسيع الهوة بين نظام الأسد وأغلبية السوريين، وإن لفترة قصيرة.
إضافة لذلك، تتابع الوثيقة، كانت قيادة الأخوان المسلمين تدرك تماما أن النظام لن يتمكن من السيطرة على حماة ، وإذا لم يستطع سحق تمردها ، فيمكن تطويره إلى عصيان شامل. بالمقابل، أدى الاستخدام المنفلت للمدفعية في عملية سحق التمرد في حماة إلى تحذير المدن الأخرى من أن لدى الأسد القدرة والإرادة على البقاء في السلطة. من ناحية ثانية، وأخذا بالاعتبار المعطيات نفسها.
مع ذلك، تقول الوثيقة، لا تزال استراتيجية الأسد مستمرة في الاعتماد على واقع أن السوريين في أغلبيتهم لا يدعمون وصول الأخوان المسلمين إلى السلطة مهما اختلفوا مع الحكومة ، وحتى لو فضلوا رئيسا مسلما سنيا. كما أثبت الوقائع أن السوريين عمليون ويفضلون الاستقرار الذي يضمنه الأسد ، والذي لم يحظوا به منذ الاستقلال في العام 1946 .
(*) ـ ملاحظة من المترجم : عمدت الجهة المعنية ( الأرشيف الوطني) إلى شطب فقرات عديدة من الوثيقة. ويتضح من السياق أن المحذوف يتضمن أسماء وجهات أمنية أمريكية وغير أميركية أعدت الوثيقة ، فضلا عن برقيات أمنية شكلت أساسا لها ، وجرى الإشارة إليها برموز أرشيفية..
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
واشنطن تفرج عن وثيقة أمنية سرية تكشف أكاذيب "الأخوان المسلمين" عن أزمة الثمانينيات
"ما حصل في الثمانينات كان مجرد حملة أكاذيب أخوانية و ما سمي بمجازر حماه عام 1982 لم تسفر عن مقتل أكثر من ألفي شخص بينهم المئات من مسلحي الأخوان"
أما أرقام 40 و 30ألف أرقام سخيفة اصطنعها الأخوان
أفرجت إدارة الأرشيف الوطني الأميركي مؤخرا عن وثيقة أمنية سرية تعود إلى أيار / مايو من العام 1982 ، وتتعلق بالمواجهات المسلحة التي كانت دائرة آنذاك بين السلطة في سوريا و الأخوان المسلمين. وبحسب الوثيقة التي أعدتها الاستخبارات العسكرية الأميركية ، والتي حملت عنوان "سوريا : الأخوان المسلمون يكثفون الضغط" ، ونشرتها مجلة "فورن بوليسي"، فإن المعلومات الرائجة في الإعلام عما حصل في سوريا آنذاك، وبشكل خاص ما سمي "مجازر"، عبارة عن كذبة كبيرة وبروباجندا إعلامية صنعها الأخوان المسلمون ومن كان يقف وراءهم.
خلفية موجزة :
تشير الوثيقة إلى أن الأخوان المسلمين ، الذين تأسست حركتهم في العام 1937 (الصحيح في العام 1945) بمبادرة من الشيخ الأزهري مصطفى السباعي، لم يصبحوا حزبا معارضا إلا بعد وصول البعثيين العلمانيين إلى السلطة في العام 1963. وكان أول نشاط عملي معارض لهم ضد السلطة الجديدة في العام 1964 حين حرضوا على القيام بأعمال شغب في حماة سرعان ما تحولت إلى عصيان كامل اضطر "رجل السلطة القوي الفريق أمين الحافظ إلى إرسال الجيش إلى حماة ومحاصرتها قبل سحق العصيان الذي قاده الأخوان المسلمون". وبعد ذلك جرى التشديد على قمع أنشطتهم، ما اضطر الكثيرين منهم إلى الفرار إلى الأردن ولبنان والسعودية وبقية دول الخليج. وبعد وصول مجموعة "23 شباط/فبراير"(صلاح جديد ورفاقه) إلى السلطة في العام 1966، والذي أخرج مجموعة منها مجموعة أمين الحافظ ، صعّد الأخوان المسلمون من معارضتهم ضد السلطة الجديدة.
بعد ذلك ، تتابع الوثيقة، بدأ الأخوان المسلمون توسيع أنشطة جناحهم السري(العسكري)من خلال عمليات العنف السياسي، رغم أنهم تجنبوا تبني تلك العمليات (الاغتيالات التي بدأت باغتيال رئيس فرع المخابرات العامة في حماة الرائد محمد غرة، العام 1976) ، علما بأن هذا الجناح كان ظهر إلى الوجود بعد القمع الذي تعرضوا له زمن الجنرال أمين الحافظ ، حيث عرف هذا الجناح تحت أسماء مختلفة مثل "شباب محمد" و"جند الله" و "الشباب المؤمن" و"الطليعة الإسلامية" ، فضلا عن أسماء أخرى. وكان القائد الأول لهذا الجناح هو الدكتور عدنان المصري الذي أعدم في العام 1965. وقد خلفه في رئاسة التنظيم الشيخ مروان حديد إلى حين وفاته في العام 1976 ، ليخلفه عدنان عقلة. وطيلة تلك الفترة كانت معارضة الأخوان المسلمين للبعثيين محدودة ، ولم يشعروا بقدرتهم على تحدي حكمهم إلا في العام 1979.
وطبقا للوثيقة، كان مخططا لمجزرة مدرسة المدفعية في حلب (16 حزيران / يونيو1979 )،التي قتل فيها خمسون من الطلاب الضباط (العلويين الذين جرى انتقاؤهم من بين طلاب المدرسة) ، والتي دبرها الأخوان المسلمون، أن تكون "بداية الهجوم الإخواني وفي صيف العام 1980 ، تمكن الأسد من كسر العمود الفقري لهجوم الأخوان المسلمين بعد أشهر من المعارك الدموية بين قوات الحكومة وعناصر جهازهم السري. غير أن الطبيعة العملية للسوريين جعلتهم يدركون أن الأسد حقق لسوريا أفضل استقرار منذ العام 1946 حين استقلالهم عن فرنسا.
قيادة جديدة للأخوان المسلمين : تحد جديد
تقول الوثيقة تحت هذا العنوان إن هزيمة العام 1980 أدت إلى عزل عصام العطار من منصب المرشد العام للأخوان المسلمين في سوريا ، الذي كان استلم المنصب من السباعي. ولكن هذا ليس صحيحا. فعصام العطار كان مراقبا عاما للأخوان خلال الفترة 1964 ـ 1973 ، وهو الثاني في الترتيب بعد المؤسس مصطفى السباعي. أما الفترة التي تتحدث عنها الوثيقة فكان المراقب العام خلالها هو الدكتور عدنان سعد الدين ( 1976 ـ 1980)، وهو الرابع في الترتيب بعد عبد الفتاح أبو غدة. وتتابع الوثيقة لتقول إن القيادة الجديدة تكونت من عدنان سعد الدين والشيخ سعيد حوا ( وليس سعيد حاوي كما ذكرت الوثيقة) وعلي صدر البيانوني، أما الجهاز السري(العسكري) فأسندت قيادته لعدنان عقلة.
وعن عدنان سعد الدين تقول الوثيقة إنه كان عضوا في الجماعة منذ العام 1943 ، وإنه اكتسب خبرة واسعة في العمل السري في إطار الجناح العسكري . لكن الأمر ليس دقيقا . فسعد الدين ، وكما قالت شقيقته السيدة نجاح سعد الدين (أم عبد الرحمن) لمحرر هذه الترجمة في إفادة خاصة العام 2003 ، وهي مدرسة لغة عربية سابقة و واسعة الثقافة وعلى خلاف جذري مع شقيقها، إن شقيقها ـ المولود في حماة العام 1929 ـ لم يكن عضوا في الجماعة قبل تخرجه في "جامعة فؤاد الأول"(القاهرة) في العام 1955، وربما لم يصبح عضوا فيها إلا بعد أن تخرج بإجازة جامعية ثانية في الحقوق في الجامعة نفسها العام 1960(إجازته الجامعية الأولى كانت في اللغة العربية وآدابها).
أما الشيخ سعيد حوا ، وبالعودة إلى الوثيقة، فكان في قيادة الجناح السري منذ العام 1965 إلى العام 1976 ، قبل أن يهرب من سوريا إلى الأردن العام 1980، ومنها إلى أوربا . وهو يعتبر عالم دين شهيرا نشر العديد من الكتب في الشريعة والفقه والتفسير. لكن الوثيقة تغفل أمرا هاما جدا وهو أن سعيد حوا اعتقل في العام 1973 (وليس العام 1976 ) وأطلق سراحه في معمعة الأحداث حين كان الأخوان المسلمون يقومون بحملة اغتيالات وتفجيرات العام 1978، وليس العام 1977 ، كما تقول الوثيقة.
وبشأن المحامي البيانوني ، الحلبي المولد ، تقول الوثيقة إنه كان الرجل الثالث في القيادة ، وتشير إلى أنه يبلغ من العمر(آنذاك) 45 عاما ، وأنه انضم إلى الجماعة السلفية (الأخوان) العام 1943. وهذا أيضا غير دقيق . فهو من مواليد العام 1938، والأخوان لم تتأسس حركتهم رسميا إلا في العام 1945 ـ 1946. أما هو فلم يصبح عضوا إلا في العام 1952. وهو لم يكن ضابطا في الجيش كما تزعم الوثيقة، بل مدرس ومحام خدم خدمة العلم برتبة ضابط مجند مثله في ذلك مثل جميع السوريين حملة الإجازات الجامعية.
تتابع الوثيقة الحديث فتقول إن الاعتقالات في صفوف الجماعة استمرت بعد أن كسر الأسد شوكتها في العام 1980، لكن هيكلها التنظيمي بقي سليما، وكان يقدر آنذاك بحوالي عشرة آلاف عضو، فضلا عن ألف من الجناح السري (العسكري). وكان على رأس أولويات القيادة الجديدة إعادة بناء التنظيم وتجميعه و"الاستعداد لجولة جديدة من القتال ضد البعثيين ".
في كانون الأول / ديسمبر العام 1980 أعلن سعيد حوا والبيانوني تأسيس "الجبهة الإسلامية" من خلال مقابلة مع صحيفة "دي فيلت"(العالم) الألمانية .لكن هذا غير دقيق أيضا. فالجبهة كان أعلن عنها في تشرين الثاني / نوفمبر من خلال البيان الشهير "بيان الثورة الإسلامية المسلحة في سوريا ومنهاجها". وتصف الوثيقة هذا الإعلان بأنه كان مجرد بروباجندا، لكنها تعتبره أيضا بداية نشاط جديد في الاتصالات مع جهات إقليمية
تكتيكات (الأخوان) لإسقاط نظام الأسد :
تقول الوثيقة إن الأخوان حاولوا آنذاك الحصول على دعم معارضي الأسد من أنصار الرجل القوي صلاح جديد ، والذي كان معتقلا منذ العام 1970. وبحسب الوثيقة، فإن العراق لعب دورا في تنظيم جهود الفريقين للإطاحة بالأسد .
تتابع الوثيقة القول إن الأخوان طوروا خطة أكثر تعقيدا من خطة العام 1979ـ1980. ففي السابق ، حاولت الجماعة إطاحة النظام وحدها، وهو ما وفر للأسد فرصة لاستغلال اتجاهها التكفيري من أجل الحصول على تأييد القوى الوسطية ، حيث أطلق حملة أمنية ضدهم على امتداد المجتمع السوري كله.
حيث تركزت الخطة على نشاطين رئيسين : ثورة مسلحة قوية في حماة تستدرج ثورات مماثلة في مدن أخرى وإضرابا عاما يشل سوريا، وانقلاب عسكري متزامن من قبل أنصار صلاح جديد في الجيش. وبالتزامن مع الخطة، جرى إعداد حملة دعائية (بروباجندا) عنيفة بهدف دعم العصيان في مدينة حماة وإبراز انتصاراته فيها من أجل تشجيع المدن الأخرى على المشاركة في العصيان، مع التخطيط لأنشطة إعلامية في أوربا وأمريكا ، فضلا عن برامج إخبارية إذاعية عبر إذاعة الكتائب في لبنان ("صوت لبنان الحر"، وهي للقوات اللبنانية وليست للكتائب كما تقول الوثيقة) و إذاعة "صوت سوريا العربية" من بغداد . مع التركيز على أحداث حماة في العام السابق (1980)، والتأكيد على أن نظام الأسد معزول تماما داخل سوريا وفي العالم العربي. وبحلول تموز / يوليو من العام 1981 ، نجح الأخوان المسلمون في ترتيب عملية تسلل نخبة جهازهم العسكري من الأردن والعراق وتركيا إلى مدينة حماة . وكان حوالي 100 مقاتل جرى نقلهم من الأردن إلى العراق حيث تلقوا تدريبات مكثفة قبل إعادة إرسالهم إلى سوريا . وخلال التحضير لعملية حماة ( أيلول / سبتمبر أو تشرين الأول / أكتوبر) ، قام جهازهم السري بمهاجمة دار الحكومة في المدينة وسرقة مئات من بطاقات الهوية الفارغة لاستخدامها من قبل الجهاز السري للجماعة، كما نفذوا "عمليات تفجير إرهابية" في مختلف أنحاء سوريا بهدف زعزعة الاستقرار وإثبات أن "النظام " لا يستطيع السيطرة على البلاد.
المخابرات السورية تكشف الخطة:
تقول الوثيقة إن المخابرات السورية تمكنت من اكتشاف مخطط للضباط للقيام بانقلاب بداية العام 1982، حيث انقضت على المعارضين في الجيش بالتزامن مع تكثيف جهودها لاجتثاث البنية التحية للجماعة. وقد شملت هذه الخطة مدينة درعا القريبة من الحدود الأردنية التي جرى تمشيطها بيتا بيتا. وبحلول أواخر كانون الثاني / يناير 1982 ، ظهرت مؤشرات على نية الحكومة تمشيط حماة أيضا بالطريقة نفسها ، وهو ما كان سيؤدي إلى اعتقال حوالي 200 مسلح من قوات نخبة الأخوان المسلمين الذين تسللوا إلى المدينة.
إلا أن ما تذكره الوثيقة هنا ينطوي على مغالطات فاضحة. فما جرى في درعا ، وفق معلومات مؤكدة لمحرر هذه الترجمة، كان عبارة عن وشاية كبيرة قام بها القيادي الأخواني" الدكتور غسان أبا زيد"، الذي شكّل أحد أكبر الاختراقات الأمنية السورية في صفوف جماعة الأخوان المسلمين، حيث سلمهم قرابة 380 عضوا من أعضاء الجماعة وأنصارها، لاسيما منهم من كان يتعامل مع المخابرات الأردنية. وبقي ينشط لصالح المخابرات السورية في صفوف الجماعة قرابة عشرين عاما إلى أن عاد إلى سوريا لاحقا حيث جرى "تعيينه" عضوا في "مجلس الشعب"، قبل أن يقتل بصهريج وقود دهس سيارته على طريق درعا بينما كان في طريقه لقضاء إجازته الأسبوعية مع أفراد عائلته. وبحسب معلومات (أردنية المصدر) تقول إنه قتل بقرار من الجماعة بعد اكتشاف أمره على أثر عودته إلى سوريا!؟
أما بشأن انقلاب الضباط , فمن جرى اعتقالهم كانوا جميعا من القوى البحرية ، فضلا عن زملاء لهم في القوى البرية المرابطة في دمشق وما حولها ، أبرزهم العميد صلاح حلاوة ، قائد الفوج مدفعية ميدان (65) في ريف دمشق، والعميد تيسير لطفي ، والعميد نذير السقا. وقد حكم عليهم بالإعدام من قبل محكمة ميدانية صادق مصطفى طلاس على أحكامها، لكن الرئيس حافظ الأسد رفض التصديق عليها "بالنظر لكونهم أبلوا بلاء حسنا في حرب تشرين ، ولا يعدم ضابط كانوا من أبطال حرب تشرين"، كما كتب الأسد الأب على حاشية قرار الحكم ، والتي اطلع عليها محرر هذه الترجمة العام 1999 بفضل مدير سجن المزة العسكري (العقيد بركات العش) ، حيث كانوا معتقلين حتى نقلهم إلى صيدنايا في آب / أغسطس 2000. وقد أفرج عنهم في العام 2004 .وكان مع هؤلاء عدد من الطيارين أبرزهم رفيق الحمامي، محمود كيكي، بشار العشي. وهؤلاء أيضا لم تنفذ بحقهم أحكام الأعدام. وكان هؤلاء جميعا من الأخوان المسلمين و"بعث العراق".
تتابع الوثيقة فتقول إن الجماعة قررت ـ على أثر اكتشاف تلك المؤشرات ـ إطلاق خطتها قبل اكتمال التحضيرات ، آمله أن تستطيع تحريض المدن الأخرى من خلال استخدام سلاح البروباجندا الكاذبة انطلاقا من لبنان والعراق. ورأت الجماعة أن هناك فرصة متاحة لإسقاط نظام الأسد رغم انكشاف خطة الانقلاب العسكري . واعتقدت الجماعة أنه حتى لو فشلت الحركة، فإن عصيان حماة سيصبح مركز استقطاب للتحركات ضد الحكومة من خلال استفزازها وإرغامها على استخدام أقصى درجات القوة ضدها ، وهو ما سيسبب بدوره انقلابا في موقف السوريين من حافظ الأسد وحكومته.
هكذا، وفي أواخر كانون الثاني / يناير 1982، انتقل عدنان سعد الدين وسعيد حوا وعلي البيانوني من بروكسل (مقر قيادة الحلف الأطلسي!!) إلى غرفة عمليات سرية جرى إعدادها داخل سوريا لقيادة العصيان. وفي 2 شباط /فبراير انطلقت مآذن الجوامع في حماة بالدعوة للجهاد ضد الحكومة ، مع توجيه الناس إلى مساجد محددة جرى تحويلها إلى مخازن سلاح . وفي الوقت نفسه قام عناصر من الجهاز السري للجماعة يرتدون ملابس الجيش بالهجوم على المراكز الحكومية في المدينة. وكان من أبرز المراكز التي هوجمت "سجل النفوس المدني" ، حيث جرى إحراقه بزعم أن المخابرات تستخدمه أداة لـ"تحديد النسل"!! (معتادون طوال تاريخهم على الشعوذة وفبركة الخرافات!). وفي الآن نفسه هاجم مسلحوهم مخافر الشرطة والمراكز الأمنية ومقرات حزب البعث والوحدات العسكرية ( كما حصل صيف العام 2011، حين قام زعران فاروق طيفور باختطاف عناصر الشرطة من مخفر حي الحاضر قبل ذبحهم بالسكاكين وإلقائهم من فوق جسر كازو / الضاهرية شمال المدينة!). وهو ما اضطر الحكومة إلى سحب الجيش والشرطة إلى خارج المدينة بعد عدة أيام من المعارك العنيفة. وعندها قام عناصر الجماعة بتنظيم الدفاع عن المدينة لمنع الحكومة من دخولها مرة أخرى. وقد انضم إلى المقاتلين مئات آخرون ليصبح عددهم حوالي 400 مقاتل يوم 2 شباط / فبراير ، ثم ألف مقاتل بعد ثلاثة أيام ، كانوا جميعهم من عناصر التنظيم وأهالي المدينة. وفي 9 من الشهر ذاته نشرت قيادة "الثورة الإسلامية" بيانا من إذاعة "صوت سوريا "في العراق تحدث عن السيطرة الكاملة على حماة وعن إعدام 50"جاسوسا ومخبرا" أسديا وعن "انشقاق الجزء الأكبر من اللواء 47" (الذي يرابط تاريخيا في منطقة الرستن)، وعن رفض الطيارين قصف المدينة !( تماما كما حصل في العام 2011!!). وأضاف البيان أن "الثورة انتشرت من حماة إلى باقي الوحدات العسكرية في ميناء اللاذقية ( "انقلاب البحرية" الذي تحدث المترجم عنه أعلاه) وفي منطقة تدمر في الصحراء. كما تحدث عن مواجهات في حلب وعن ثلاثة آلاف قتيل وجريح في صفوف قوات الحكومة. وفي اليوم التالي ( 10 شباط / فبراير) جرى توسيع البروباجندا ، حيث صدر بيان من العاصمة الألمانية (بون ، آنذاك) يؤكد تحرير حماة وفشل قوات الحكومة في استعادتها ، وتأكيد مقتل ثلاثة آلاف من قوات الحكومة ، والانشقاقات في اللواء 47 . وفي 11 من الشهر نفسه صرح مصدر إخواني من "هونغ كونغ" (التي كانت قاعدة بريطانية آنذاك!!) أن إذاعة حلب سقطت بأيدي الثوار . وفي باريس صرح مصدر أخواني ، نقلا عن مصدر في بون، أن 3000 إلى 4000 مقاتل من الجيش انضموا إلى الثورة الإسلامية في حماة ، بينما أضاف مصدر أخواني من فيينا في النمسا أن ألفي جندي قتلوا و ثلاثة آلاف جرحوا ، وأن القتال انتشر إلى دمشق واللاذقية وحلب والمناطق الشرقية من سوريا! (غني عن البيان أن هذا كان في معظمه كذبا ودجلا. فالمعارك التي كانوا يتحدثون عنها مجرد مواجهات محدودة بين مجموعات صغيرة من المسلحين والأجهزة الأمنية. فهم ، بوصفهم أكبر مجموعة دجل عرفها التاريخ البشري، اعتمدوا دائما على سياسة التوريط!).
في 14 من الشهر نفسه ، صرح مصدر أخواني من تركيا بأن قطاعات كبيرة من طريق دمشق ـ حمص ـ حلب أصبحت تحت سيطرة الثورة الإسلامية ( في الواقع، كما تقول الوثيقةـ كان الطريق مفتوحا تماما أمام حركة المرور منذ 11 من الشهر، ولم يكن صحيحا ما قالوه). وفي 15 من الشهر أعلنت إذاعة "لبنان الحر" (القواتية) أن خمسة آلاف جندي هربوا إلى لبنان . لكن في الواقع ، وبخلاف أكاذيبهم كما تقول الوثيقة نفسها ، كانت الحكومة استعادت أغلب مدينة حماة في ذلك التاريخ ، وكان المسلحون الإسلاميون تشتتوا في نقاط متفرقة من المدينة القديمة في حماة. وقد استمرت بروباجندا الأخوان رغم ذلك ، حيث دعا سعيد حوا في 16 من الشهر نفسه، عبر "صوت سوريا" من بغداد، إلى الجهاد في كل سوريا ، معلنا أن الجهاد "فرض على كل سوري قادر على حمل السلاح". كما وأعلن عن عصيان مدني مفتوح إلى حين سقوط حكومة الأسد. وفي العشرين من الشهر دعت الإذاعة نفسها الشعب السوري إلى التوحد بوجه الأسد ، وأشارت إلى أن "القيادة الدينية" في سوريا (مشايخ الأخوان)أصدرت فتوى تحرم على أي مسلم دفع الضرائب للحكومة. وفي 25 من الشهر نفسه نقلت صحيفة "كرستيان ساينس مونيتور" الأميركية بيانا عن جماعة الأخوان المسلمين زعمت فيه أن "الجبهة الإسلامية" سيطرت على القاعدة البحرية شمال اللاذقية ( قاعدة "مينة البيضا") ، وأنها أصبحت تملك غواصتين (لم يكن يومها في البحرية السورية أية غواصات!!).
وتقول الوثيقة "رغم كل هذه البروباجندا ، لم ينتشر العصيان إلى خارج حماة ، باستثناء بعض عمليات التفجير في دمشق وأماكن أخرى"!
النتائج:
تقدر الوثيقة عدد القتلى والضحايا في مدينة حماة بحوالي ألفي قتيل فقط ، منهم ما بين 300 إلى 400 من نخبة قوات الأخوان المسلمين، وهو ما يعادل ثلث مسلحيهم في عموم أنحاء سوريا. ومن الناحية العسكرية، تمكنت الحكومة من إلحاق هزيمة بالمتطرفين السلفيين الذين سيحتاجون بضع سنوات قبل أن يستعيدوا قوتهم ويتمكنوا من تحدي الحكومة مرة أخرى. وقد وفر العصيان مبررات قوية للرئيس الأسد لتمشيط حماة وتصفية قواعد الأخوان المسلمين فيها. لكن، ومن ناحية أخرى، أثبت الأخوان المسلمون قدرتهم على شن حملة معقدة من بروباجندا الأكاذيب ومن العمليات العسكرية، فضلا عن توسيع الهوة بين نظام الأسد وأغلبية السوريين، وإن لفترة قصيرة.
إضافة لذلك، تتابع الوثيقة، كانت قيادة الأخوان المسلمين تدرك تماما أن النظام لن يتمكن من السيطرة على حماة ، وإذا لم يستطع سحق تمردها ، فيمكن تطويره إلى عصيان شامل. بالمقابل، أدى الاستخدام المنفلت للمدفعية في عملية سحق التمرد في حماة إلى تحذير المدن الأخرى من أن لدى الأسد القدرة والإرادة على البقاء في السلطة. من ناحية ثانية، وأخذا بالاعتبار المعطيات نفسها.
مع ذلك، تقول الوثيقة، لا تزال استراتيجية الأسد مستمرة في الاعتماد على واقع أن السوريين في أغلبيتهم لا يدعمون وصول الأخوان المسلمين إلى السلطة مهما اختلفوا مع الحكومة ، وحتى لو فضلوا رئيسا مسلما سنيا. كما أثبت الوقائع أن السوريين عمليون ويفضلون الاستقرار الذي يضمنه الأسد ، والذي لم يحظوا به منذ الاستقلال في العام 1946 .
(*) ـ ملاحظة من المترجم : عمدت الجهة المعنية ( الأرشيف الوطني) إلى شطب فقرات عديدة من الوثيقة. ويتضح من السياق أن المحذوف يتضمن أسماء وجهات أمنية أمريكية وغير أميركية أعدت الوثيقة ، فضلا عن برقيات أمنية شكلت أساسا لها ، وجرى الإشارة إليها برموز أرشيفية..
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]