40% نسبة الفقر في السعودية
صحيفة وول ستريت جورنال / تحليل سياسي بعنوان: "هل ستمتد من تونس إلى القاهرة إلى الرياض؟" / كارين اليوت هاوس / من الرياض: في أي نظام استبدادي يبدو عدم الإستقرار أمرا غير منظور حتى لحظة حدوث الثورة. ينطبق هذا على المملكة العربية السعودية. لكن حتى في الوقت الذي تراجع فيه النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط فقد تواجه أمريكا العواقب المذهلة لعدم الإستقرار هنا في أهم حليف عربي تبقى لها. في الوقت الذي سيهدد فيه أي نظام متطرف في مصر إسرائيل، وليس أمريكا، بشكل مباشر فإن وجود نظام متطرف ومعاد للغرب في المملكة التي يوجد بها ربع الإنتاج العالمي من النفط سوف يهدد أمريكا التي تقود الإقتصاد العالمي.
بعد 30 عاما من الزيارات للمملكة بما في ذلك إعداد تقارير مكثفة خلال السنوات الأربع الماضية اقتنعت بأنه ما لم يقم النظام السعودي بإجراء إصلاح سريع وجذري، أو ما لم تجبره أمريكا على ذلك، فسوف يظل عرضة للثورة عليه. بالرغم من الحكمة القائلة بأن المملكة متفردة وبأن المليارات التي تجنيها من النفط وبأن جهاز الإستخبارات الذي يسجل حضورا في كل مكان يسمحان للنظام بالحفاظ على نفوذه من خلال شراء الولاءات أو تخويف المواطنين الذين يتسمون بالسلبية إلا أن الثورة يمكن أن تحدث هنا.
يمكن تلخيص المخاطر المحدقة بنظام حكم آل سعود في جملة واحدة: الهوة بين القادة المعمرين ومحكوميهم من الشباب الذين تتزايد أعدادهم بشكل كبير في وقت تتقلص فيه هوة المعلومات بين الحكام والمحكومين. إن متوسط عمر ثلاثي الأمراء الحاكم في المملكة هو 83 عاما، في حين تقل أعمار 60% من السعوديين عن 18 عاما. بفضل القنوات الفضائية والإنترنت ووسائل الإعلام الإجتماعية فإن الشباب يدرك الآن تماما حجم الفساد الحكومي، كما يدرك أن 40% من السعوديين يعانون الفقر وأن ما يقارب 70% منهم لا قبل لهم بشراء منازل. تعيش هذه الفئة من السعوديين كما يعيش مواطنو العالم الثالث إذ يعانون من ضعف التعليم ومن عدم القدرة على الحصول على وظائف في القطاع الخاص الذي تشكل العمالة الوافدة 90% منه. من خلال وسائل الإعلام الجديدة يقارن الشباب ظروفهم بأوضاع نظرائهم في دول الخليج الأخرى والغرب فتنعدم المقارنة.
في الوقت الذي اندلعت فيه الثورة في مصر خلال الأسابيع الأخيرة فقد تعامل السعوديون مع نموذج ساطع لعجز الحكومة عندما غمرت مياه الصرف الصحي والأمطار جدة – ثاني أكبر مدينة – للمرة الثانية خلال 14 شهرا. حدث ذلك برغم وعود الملك عبد الله بعد الفيضانات الأولى بمحاسبة المسئولين الذين تركوا معظم أحياء جدة بدون تصريف جيد. تسببت ثورة مصر وفشل الحكومة السعودية في جدة في حدوث انتقادات وغضب واسع النطاق عبر الإنترنت.
صور مواطن سعودي العلم السعودي، الذي يتميز بسيفين متعارضين على نخلة، باعتبار السيفين مكنستين وباعتبار النخلة مجموعة من الدلاء (جمع دلو)، في حين نشر آخر صورة الرئيس التونسي المخلوع بن علي الذي منحته المملكة اللجوء السياسي وكتب تحتها عبارة تقول بأن المملكة بمثابة سلة قمامة للمتسلطين.
حتى التلفزيون الحكومي نفسه قد بث صورا لسعوديات غاضبات يوبخن بشدة أحد كبار الأمراء بسبب فيضانات جدة. الأمر الأكثر إثارة للدهشة أن الملك عبد الله، الذي يحظى باحترام واسع النطاق لجهوده المتواضعة الخاصة بالإصلاح من معظم السعوديين الذين يحملون المحيطين به مسئولية تلك المشاكل، قد تم عرض صورة له عبر الإنترنت وبجوارها صليب كبير باللون الأحمر وتعليق يقول (لماذا تمنحهم كل هذه السلطات وهم لصوص؟).
ظلت المصادر التقليدية للإستقرار في المملكة هي الأسرة المالكة والمؤسسة الدينية الوهابية واللتان ترتبطان ببعضهما بصورة وثيقة، لكن هاتين الدعامتين قد بدأتا تفقدان مصداقيتهما وشرعيتهما حتى قبل أحداث مصر. تعتمد شرعية آل سعود بدرجة كبيرة على تجسيد الإسلام والترويج له وحمايته، فالعاهل السعودي لا يطلق على نفسه صفة ملك، بل خادم الحرمين الشريفين. برغم ذلك فإن المحكومين في المملكة ينظرون بصورة متزايدة للعائلة المالكة على أنها مسرفة وفاسدة وغير قادرة على الحكم بكفاءة.
برغم تطبيق المؤسسة الدينية لنهج من الإسلام فريد في صرامته إلا أنه ينظر إليها بصورة متزايدة على أنها تتاجر بنفسها باستخدامها للدين لتأييد كل ما تريده العائلة المالكة. أبلغني أحد الأئمة المتدينين قوله: "نحن منافقون نخادع بعضنا البعض ونكذب على بعضنا مثل ما علمتنا الحكومة. نحن لا نتبع النهج الإسلامي". على مدى سنوات ظلت العائلة المالكة التي يقارب عدد أفرادها 7000 شخص تتخلل كل مناحي الحياة في المملكة، لكنها فقدت احترام الشعب وهي تفعل ذلك. يكاد كل عمل تجاري أو وزارة هامة في المملكة أن يكون خاضعا لرئاسة فعلية أو صورية من قبل أحد الأمراء. العائلة المالكة التي كانت موحدة نسبيا عند اتخاذ القرارات من قبل حفنة من الأمراء الأكبر سنا أصبحت الآن كبيرة الحجم لدرجة بعيدة ومنقسمة لدرجة أن مختلف أفرعها أصبحت تسعى لتحقيق أجندة متضاربة.
مما يفاقم المشكلة أن الأمراء الذين يحكمون المملكة معمرون وواهنون ومنفصلون عن الواقع. ظل الملك عبد الله بعيدا عن المملكة 3 أشهر تلقى خلالها العلاج في أمريكا قبل أن يتوجه للمغرب. . الأمير الذي ينوب عن الملك حالياً هو نائب رئيس مجلس الوزراء الأمير نايف البالغ من العمر 77 عاما والذي يعاني من مرض السكر وهشاشة العظام.
ماذا سيحدث بعد هؤلاء؟ لا أحد يدري. ما يثير مخاوف الكثير من أفراد العائلة المالكة والمواطنين العاديين هو حقيقة أن تولي العرش سيؤول إلى جيل جديد بعد أن كان ينتقل من أخ إلى أخيه، مما يعني أن النفوذ سينحصر في فرع واحد من العائلة وفي ذلك وصفة لنزاعات محتملة إذ أن 34 من أصل 35 من السلالات التي تتألف منها أسرة مؤسس المملكة ستجد نفسها محرومة من الحكم. كل ذلك يذكرنا بالعقد الذي شهد نهاية الإتحاد السوفيتي عندما كان قادة المكتب السياسي المعمرون والعاجزون يتعاقبون بشكل سريع على السلطة (بريجنيف ثم أندروبوف ثم شيرننكو) قبل أن يتولى الرئاسة غورباتشوف ليطبق سياسات إصلاحية ثبت أنها جاءت متأخرة بعض الشيء.
بعد أن تكشفت أحداث مصر أقر بعض الأمراء الشباب القلقين في مجالسهم الخاصة بضرورة الحد من الفساد وتقديم خدمات أفضل للمواطنين وإجراء إصلاحات في البيروقراطية الحكومية التي تعاني خللا وظيفيا. برغم ذلك فإن هؤلاء الأمراء يؤكدون على حتمية حكم آل سعود، فقد قال أحدهم: "لقد وحدنا المملكة وسنظل كالمادة اللاصقة التي تبقي عليها كيانا واحدا". ما فشل هؤلاء الأمراء ذوو العقليات الإصلاحية في فهمه، أو في الإقرار به أمام الأجانب، هو الدرجة التي وصل لها الشباب في المملكة حيث لم يعودوا يحترمون أو يخشون العائلة المالكة. بدلا عن ذلك فقد بدأ هؤلاء الشباب يمقتون بصورة متزايدة الممارسات المتأصلة التي تحط من الكرامة ممثلة في استجداء الأمراء للحصول على خدمات هي حق لهم.
في ظل الإحباطات التي يعيشها الشباب السعودي بسبب هذه الممارسات التي تحط من الكرامة فقد أصبحوا يتعاطون المخدرات ويقدمون على سرقة السيارات وتخريب الممتلكات الحكومية. أصبح السعوديون من كل المستويات الإجتماعية أكثر ميلا لعدم التقيد بالقانون إذ يحاكون قادتهم في فعل كل ما يمكنهم فعله والإفلات من عواقبه. أصبحت الكاميرات التي ترصد المسرعين بسياراتهم وتصدر مخالفات بحقهم أحدث هدف صب الشباب جام غضبهم تجاهه، فقد تعرضت مرارا للتخريب من قبل شباب زعموا بأن المخالفات التي يسددون قيمتها إنما تثري وزير الداخلية الذي هو مسئول أيضا عن أجهزة الإستخبارات. باختيارهم لهذا الهدف فإن الشبان السعوديين يحتجون على فساد الأمراء وعلى تطفل الدولة على أوجه حياتهم.
برغم ذلك إلا أن معظم المواطنين السعوديين العاديين لا يتوقون للديمقراطية إذ يخشون أن تؤدي الإنقسامات القبلية التقليدية مقترنة بانعدام المنظمات الإجتماعية والسياسية إلى الفوضى أو إلى مزيد من الهيمنة من قبل المؤسسة الدينية المحافظة المنظمة بشكل جيد من خلال أنشطتها في 70 ألف مسجد منتشرة في المملكة. إذا اعتبرت جماعة الإخوان المسلمين خطرا محتملا في مصر فإن نظيرها السعودي يسيطر أصلا على المجتمع السعودي.
ما يتعطش له السعوديون هو الخدمات الأساسية التي توفرها حكومات أقل ثراء ممثلة في التعليم الجيد والوظائف والرعاية الصحية المناسبة. كذلك يود السعوديون التحدث بأمانة عن القضايا السياسية والإقتصادية التي تمس حياتهم. لكن عندما تجرأ أحد أساتذة الدراسات الدينية في جامعة الإمام محمد بن سعود في نوفمبر الماضي واقترح عبر الإنترنت السماح للسعوديين بالنقاش العلني حول وراثة العرش فقد أودع السجن.
قال أحد الأمراء البارزين محذرا: "الهوة بين الإصلاح هنا وبين مطالب الشباب آخذة في الإتساع. إنه سباق مع الزمن لأن الشباب قد سئموا الوضع الراهن والحديث". المملكة ليست مصر، لكن حتى في هذه الدولة التي يفترض أن تكون هي الأكثر استقرارا في العالم العربي فإن الوقت آخذ في النفاذ.