«داعش».. السكين التى تذبح الإسلام.. عقيدتهم: «وما أرسلناك إلا ذابحا للعالمين»
يصدر قريبا عن دار «الشروق»، كتاب جديد بعنوان «داعش.. السكين التى تذبح الإسلام»، يواجه المفكر الإسلامى ناجح إبراهيم، والباحث هشام النجار، التنظيم وأنصاره بالكلمات، تحت راية التوحيد نفسها، لكن برؤية مخالفة، تكشف زيف ما ذهب إليه الإرهابيون وحلفاؤهم.
«ما هى إلا أداة وسكين فى يد خصوم ومنافسى هذه الأمة لذبح الإسلام»، هكذا يصف الكتاب تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام، المعروف باسم «داعش»، وعلى مدار فصول الكتاب، الأربعة، نسير مع التنظيم الإرهابى الأشهر فى العالم، الآن، خطوة بخطوة، منذ الميلاد حتى بسط سيطرته على مناطق واسعة فى سوريا والعراق، وتنشر «الشروق» على مدار عدة حلقات أبرز ما جاء فى الكتاب.
الأسد والمالكى أثبتا أن الحكم الطائفى لن يصلح فى بلد عربى.. والزرقاوى استحدث منهجًا أكثر قسوة من القاعدة
كانت البداية مع تنظيم القاعدة، الذى مر فى تطوره بعدة مراحل، وصولا إلى ما استقر عليه أمره اليوم، بأن أصبح كما تنبأ وتمنى له منظر التنظيم أثناء فترة الجهاد فى أفغانستان، مصطفى ست مريم، المكنى بأبى مصعب السورى، فكرة عامة ملهمة، وتنظيما لا مركزيا، بحيث تتشكل الخلايا فى كل مكان فى العالم بطريقة تلقائية غير متفق عليها مسبقا، واتفق معه فى الرؤية أيمن الظواهرى، عندما تحدث عن لا مركزية التنظيم.
وجاء الربيع العربى، ليكون فرصة مواتية لجميع التنظيمات والتيارات الإسلامية، خاصة التكفيرية منها، بأن تحاول انتهاز الأوضاع المضطربة فى البلاد الثورات العربية بأقصى ما تملك، بالإضافة لتصفية الحسابات القديمة بينها وبين أجهزة الأمن والمخابرات والجيوش فى تلك الدول.
ومع سوء الأداء السياسى للإسلاميين بعد وصولهم إلى الحكم، وعدم تمكنهم من بسط سيطرتهم ونفوذهم، وإقناع مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية بالتعاون معهم، أخطأوا فى الاعتماد على التكفيريين وخلايا القاعدة والجهاديين السابقين لسد هذا العجز، والمزايدة بهم، وليكونوا يدا قوية لهم فى مواجهة التحديات الأمنية والسياسية.
وفى ظل اتخاذ الثورة السورية أبعادا إقليمية ودولية خطيرة، وتوظيف دعاوى الحرب على الإرهاب، ومواجهة القاعدة والجهاديين من جانب نظام الرئيس السورى بشار الأسد، لمواجهة الانتفاضة الشعبية المطالبة بإصلاحات سياسية، صار هذا المناخ ملائما للتنظيمات التكفيرية المسلحة، التى تسمّت بأسماء متعددة، وجلبت إليها دعما لوجستيا وبشريا وماديا من دول إسلامية مجاورة وبعيدة.
ومن أقوى التنظيمات التى تشكلت هناك، جبهة النصرة، وأحرار الشام، ثم داعش، الذى دارت معارك ضارية بينه وبين تلك التشكيلات العسكرية السنية، لاحقا، للفوز بصدارة المشهد، وحيازة القيادة المطلقة، وجاء الاحتقان المذهبى والطائفى والظلم الشديد الواقع على السنة العراقيين، من جانب نظام رئيس الوزراء الشيعى نورى المالكى، المدعوم من الولايات المتحدة، ليصنع مناخا مناسبا كذلك فى العراق، فاستغل داعش، الذى استولى على مناطق حدودية بين العراق وسوريا، حالة الغضب والكبت السنى، ليوظفه فى صالح مشروعه الخاص بالاستيلاء على الحكم، وإعلان ما يسمى بـ«الدولة الإسلامية».
وجاء فشل الإسلاميين التقليديين فى الحكم، وعجزهم عن مواءمة الواقع، وتقديم تصور مناسب ومتوازن للحكم، يراعى التفاعلات والتنويعات الداخلية، ويدرك مدى خطورة التحديات الإقليمية والدولية، ليمثل غذاء نمت عليه داعش والتنظيمات التكفيرية داخل مصر وسوريا، بأن انتهزوا الفرصة الثمينة ليقولوا لشباب الحركات الإسلامية إن الديمقراطية لا تجدى نفعا، ولا تصنع تغييرا، وأنه لا سبيل آخر سوى الصدام والمواجهة المسلحة، والانخراط فى التنظيمات التكفيرية المسلحة.
وتركز نشاط داعش فى سوريا والعراق، تحت راية إقامة دولة الخلافة الإسلامية، وعاصمتها بغداد، بعد أن غرس الأردنى أبو مصعب الزرقاوى، أولى بذور هذا التنظيم، الذى خرج من رحم أدبيات تنظيم القاعدة، تحت مسمى «تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين»، ثم تطور مع المستجدات والتفاعلات الإقليمية والدولية، ليتبلور فى شكله النهائى، على يد أبو بكر البغدادى، تحت اسم تنظيم داعش.
وبعد مقتل الزرقاوى، وخليفته أبوعمر البغدادى، أبوبكر البغدادى إلى إعلان نفسه خليفة للمسلمين، مطالبا كل أمراء الفصائل الإسلامية بمبايعته، وتوعد الرافضين بإهدار دمهم، وساعدت الظروف السياسية المضطربة فى العراق وسوريا الرجل على مضاعفة نفوذه، ليصبح أقوى وأشهر من الظواهرى، زعيم القاعدة، وأبو محمد الجولانى، زعيم تنظيم جبهة النصرة.
فكر التكفير
وفكر داعش الأصلى هو فكر التكفير والتفجير الذى نشأ عليه تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين، وهو يكفر الجيوش العربية بلا استثناء، وكذلك جميع الحكام العرب، والأحزاب السياسية، كما يكفر جميع الشيعة، ولا يؤمن إلا بالقتال سبيلا لإقامة الدين والدولة.
ويعتبر داعش مرتكب الكبيرة كافرا، ويلاحق مرتكب المعاصى، ولا يعذر أحدا من العوام بجهله، كما يكفر كل من لا ينضم إلى الجماعة أو الدولة التى يعتبرونها «دولة المسلمين»، ومن لم يعلن الولاء لها، أو ينضم إلى التنظيم، ويبايع أميره.
ويحرّم التكفيريون الديمقراطية والانتخابات والمشاركة السياسية وتداول السلطة، كما يعتبرون كل الحكام «الذين لا يحكمون بما أنزل الله»، وفق تصوراتهم لهذا المفهوم، كفارا، كما يكفرون العلمانيين والليبراليين واليساريين والقوميين والناصريين، والحركات الإسلامية الأخرى التى لا تذعن وتعلن مبايعتها وولاءها لداعش وأميرها، بالإضافة لتكفير أعوان الحكام ومؤسسات دولهم، سواء العسكرية أو المدنية أو العاملين فيها.
أغنى تنظيم إرهابى
ويعتبر «داعش» أغنى تنظيم إرهابى مسلح على وجه الأرض، فهو يمتلك مصادر تمويل هائلة، ممثلة فى آبار للنفط فى سوريا، بالإضافة إلى الكثير من الأموال التى يحصل عليها كفديات، والكثير من الغنائم، التى تقدر بنصف مليار دولار، تم الاستيلاء عليها من البنك المركزى فى مدينة الموصل العراقية، بعد احتلاله لها، ووفقا لمجلة إيكونوميست البريطانية، فإن التنظيم يسيطر الآن على دولة فى نفس مساحة وعدد سكان الأردن، حيث يسكن فى المناطق الخاضعة للتنظيم نحو 6 ملايين سورى وعراقى.
شفرة داعش
مرت منطقة الشرق الأوسط بعدة مراحل عبر تاريخها، منها مرحلة التوحد تحت راية الخلافة الإسلامية، إلى الدول الكبرى الجامعة، مثل دول الأيوبيين والمماليك، ثم الخلافة العثمانية، حتى جاءت مرحلة الدول الكبرى، مثل دولة محمد على، وبعدها تمزقت هذه الدول الكبرى إلى دول أصغر بعد الاحتلال الأوروبى لمعظم الدول العربية، ثم بداية تحررها من هذا الاستعمار، فانفصلت السودان عن مصر، وانفصلت لبنان عن سوريا، واستقل الأردن عن فلسطين.
وتطورت الأمور لاحقا بانفصال جنوب السودان عن شماله، وتقسيم العراق عمليا بعد الاحتلال الأمريكى فى عام 2003، إلى 3 دويلات، كردية فى الشمال، وشيعية فى الجنوب، وسنية فى الوسط، ولم يبق سوى الإعلان عن هذا التقسيم رسميا، فالأكراد لديهم جيش، وشرطة، وأجهزة استخبارات، وعلم، ونشيد وطنى مستقل.
وجاءت المرحلة الرابعة لتطور المنطقة بعد ثورات الربيع العربى، حيث بدأت الدول تنقسم إلى كنتونات صغيرة تحكمها جماعات مسلحة متحاربة متباغضة متقاتلة، وتتحكم هذه الجماعات فى سياسة هذه الدول، ومقدراتها الاقتصادية، وأمنها، ففى وسط العراق، يعتبر داعش، هو المتحكم الرئيسى، بينما تسيطر على المناطق الجنوبية، الميليشيات الشيعية، مثل «عصائب أهل الحق»، التى يتزعمها قيس الخزعلى، والتى ارتكبت مجزرة مسجد مصعب بن عمير فى ديالى مؤخرا، وقتلت 70 مصليا من السنة، وأصابت مئات آخرين، وهدمت المسجد على رءوس المصلين، بالإضافة إلى ميليشيا «جيش المهدى»، التى يتزعمها الزعيم الشيعى مقتدى الصدر، وتتمركز فى سامراء وجنوب بغداد، وميليشيا «بدر» الشيعية، التى يتزعمها وزير النقل السابق، هادى العامرى، هل تتخيلون أن وزير نقل فى الحكومة العراقية السابقة يتزعم ميليشيا تقتل وتذبح بالاسم والمذهب، أما فى كردستان العراق، فهناك «البشمركة»، وهو جيش كردى يسيطر تماما على الشمال العراقى.
سوريا
ولا يختلف الوضع كثيرا فى سوريا، فهناك نجد جيش النصرة، الابن الأثير للقاعدة، والأقل تكفيرا ودموية من داعش، يسيطر على مناطق واسعة من البلاد سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وينتمى إلى نفس عائلة داعش، رغم ما بين الطرفين من خلافات حادة، وبجانبهما يوجد الجيش السورى الحر، الذى يسيطر على مناطق كبيرة أيضا، ويتلقى مساعدات سخية من الولايات المتحدة وتركيا وحلفائهما.
ليبيا
وفى ليبيا، نجد تنظيم أنصار الشريعة، وهو أحد أبناء القاعدة، يسيطر على مناطق كبيرة من البلاد، كما أتم سيطرته على مطار طرابلس، وهو يملك الكثير من الأسلحة والذخائر والمعدات والأموال، إلا أنه أقل حدة من داعش فى التكفير، لكنهما يشتركان فى تكفير الحكام العرب، وجيوشهم، وأجهزتهم الأمنية، ومجالسهم النيابية، فضلا عن الشيعة والصوفية.
لبنان
وإذا نظرنا إلى لبنان، نجد أن حزب الله هو الفاعل الحقيقى والمتحكم الرئيسى على الأرض، والذى يملك كل أدوات التمكين، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وإعلاميا، أما فى فلسطين فإن حماس هى المسيطرة تماما وفعليا على الساحة الفلسطينية، ليس فى غزة وحدها، وإنما فى الضفة أيضا، ولا يختلف الوضع المضطرى كثيرا فى اليمن، فهناك وجد تنظيم أنصار الله الشيعى، المعروف إعلاميا باسم «الحوثيين» فرصة مؤخرا للسيطرة على الساحة عسكريا واقتصاديا وإعلاميا، بعدما نجح فى السيطرة على العاصمة صنعاء، والحقيقة أن حزب الله هو أعقل الشيعة، وحماس هى أعقل السنة، لأنهما أقرب إلى فكر الدولة، وأبعد عن فكر الميلشيات الهمجية.
مناطق سيطرة داعش
يسيطر داعش على المناطق السنية فى العراق، التى كانت سابقا خاضعة لسيطرة فلول حزب البعث، ومناصرى الرئيس الأسبق صدام حسين، أما فى سوريا، فيسيطر التنظيم على مناطق السنة أيضا، مثل الرقة وحلب وريف اللاذقية ودمشق وحمص وحماة وإدلب وغيرها، ويمكن القول إن سماح السنة لتواجد مقاتلى داعش فى مناطقهم، هو رد فعل على الظلم الذى عانوه من الحكام الشيعة فى العراق، حيث حكم المالكى العراق بطريقة طائفية متعصبة، أعطت كل شيء للشيعة، واستطاع الأكراد اقتناص نصيبهم كرها، قبل وبعد وصوله إلى السلطة، أما السنة فاستبعدوا من كل شيء محورى فى قيادة العراق، بدءا من المؤسسات السيادية والأمنية والجيش والشرطة، ما يفسر تعاطفهم الكبير مع داعش، ليس حبا فى التنظيم، وإنما كراهية لظلم المالكى وحكومته وطريقته الطائفية فى حكم العراق.
فشل الحكم الطائفى
لقد أثبت بشار الأسد ونورى المالكى أن أى حاكم طائفى لن يصلح لحكم أى بلد عربى، وأنه لابد للحاكم ألا يكون متحيزا لطائفة دون أخرى، أو أن يكون الجيش أو المؤسسات السيادية من طائفة أو عرق أو فصيل بعينه.
ويمكن للمتأمل فى تكوين داعش، أن يجده مكونا من فصائل سنية من بلاد مختلفة، اعتنقت أفكار التكفير والتفجير التى يؤمن بها تنظيم القاعدة، ودخلت فيه جنسيات كثيرة سنية من بلاد كثيرة، منها مصر والسعودية وتركيا وباكستان بالإضافة لبريطانيا والولايات المتحدة، وكان الجديد هو أن انضم للتنظيم ضباط قدامى من الجيش العراقى، الذى حله أول حاكم عسكرى أمريكى للعراق بعد الاحتلال، بول بريمر.
أتباع داعش
وانتظم تحت لواء داعش أيضا بعض القوميين العراقيين، لذلك نجد أن خطاب التنظيم بعد دخوله المناطق العراقية، يختلف عن خطاب القاعدة قديما، حيث تم تهذيبه وتطويره، حتى لا ينفر السكان المحليين، ويجعلهم يكرهون التنظيم بسرعة، كما حدث من قبل مع التنظيم الأب بقيادة الزرقاوى، والذى احتشدت القبائل العراقية للقضاء عليه.
داعش والقاعدة
نشأ النزاع الكبير بين شركاء الأمس من جهادى القاعدة فى سوريا، ولم يستطع زعيم القاعدة الحالى، أيمن الظواهرى، فى احتواء الخلاف الكبير بينهما، الذى فجر الاقتتال والصراع الدموى بين تنظيمى الدولة الإسلامية فى العراق والشام، بقيادة أبو بكر البغدادى، وجبهة النصرة بقيادة أبو محمد الجولانى.
وبعد نداء مسجل للظواهرى دعا فيه قيادة التنظيمين لحقن الدماء، رد المتحدث باسم داعش، أبو محمد العدنانى، بطريقة مستفزة وقاسية، فى تسجيل نال رواجا كبيرا على شبكة الإنترنت، بعنوان «عذرا يا أمير القاعدة»، ما اضطر القاعدة وجبهة النصرة إلى الرد الإعلامى من خلال أبو مارية القحطانى، على خلفية شعور القاعدة بالإهانة من لغة العدنانى القاسية، كما استمر القتال بين الطرفين.
نقطة خلاف
كانت نقطة بدء الخلاف الرئيسية بين الجانبين، هى أبو مصعب الزرقاوى، الذى استحدث فى ممارساته على الأرض أساليب للقاعدة، كانت هى الأكثر تشددا وعنادا فى تاريخ التنظيم، رغم إعلانه البيعة لأسامة بن لادن، حيث استحداث توجيه ضربات قوية للشيعة، بالإضافة إلى السير فى طريق الصدام مع قوى وفصائل إسلامية أخرى، مثل الجيش الإسلامى، وسرايا ثورة العشرين، ما أثار الجدل واللغط والانقسامات والنقاشات المحتدمة داخل القاعدة، وصار التنظيم بعدها قاعدتين، إحداهما تسير على خط الزرقاوى ونهجه المتشدد.
يصدر قريبا عن دار «الشروق»، كتاب جديد بعنوان «داعش.. السكين التى تذبح الإسلام»، يواجه المفكر الإسلامى ناجح إبراهيم، والباحث هشام النجار، التنظيم وأنصاره بالكلمات، تحت راية التوحيد نفسها، لكن برؤية مخالفة، تكشف زيف ما ذهب إليه الإرهابيون وحلفاؤهم.
«ما هى إلا أداة وسكين فى يد خصوم ومنافسى هذه الأمة لذبح الإسلام»، هكذا يصف الكتاب تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام، المعروف باسم «داعش»، وعلى مدار فصول الكتاب، الأربعة، نسير مع التنظيم الإرهابى الأشهر فى العالم، الآن، خطوة بخطوة، منذ الميلاد حتى بسط سيطرته على مناطق واسعة فى سوريا والعراق، وتنشر «الشروق» على مدار عدة حلقات أبرز ما جاء فى الكتاب.
الأسد والمالكى أثبتا أن الحكم الطائفى لن يصلح فى بلد عربى.. والزرقاوى استحدث منهجًا أكثر قسوة من القاعدة
كانت البداية مع تنظيم القاعدة، الذى مر فى تطوره بعدة مراحل، وصولا إلى ما استقر عليه أمره اليوم، بأن أصبح كما تنبأ وتمنى له منظر التنظيم أثناء فترة الجهاد فى أفغانستان، مصطفى ست مريم، المكنى بأبى مصعب السورى، فكرة عامة ملهمة، وتنظيما لا مركزيا، بحيث تتشكل الخلايا فى كل مكان فى العالم بطريقة تلقائية غير متفق عليها مسبقا، واتفق معه فى الرؤية أيمن الظواهرى، عندما تحدث عن لا مركزية التنظيم.
وجاء الربيع العربى، ليكون فرصة مواتية لجميع التنظيمات والتيارات الإسلامية، خاصة التكفيرية منها، بأن تحاول انتهاز الأوضاع المضطربة فى البلاد الثورات العربية بأقصى ما تملك، بالإضافة لتصفية الحسابات القديمة بينها وبين أجهزة الأمن والمخابرات والجيوش فى تلك الدول.
ومع سوء الأداء السياسى للإسلاميين بعد وصولهم إلى الحكم، وعدم تمكنهم من بسط سيطرتهم ونفوذهم، وإقناع مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية بالتعاون معهم، أخطأوا فى الاعتماد على التكفيريين وخلايا القاعدة والجهاديين السابقين لسد هذا العجز، والمزايدة بهم، وليكونوا يدا قوية لهم فى مواجهة التحديات الأمنية والسياسية.
وفى ظل اتخاذ الثورة السورية أبعادا إقليمية ودولية خطيرة، وتوظيف دعاوى الحرب على الإرهاب، ومواجهة القاعدة والجهاديين من جانب نظام الرئيس السورى بشار الأسد، لمواجهة الانتفاضة الشعبية المطالبة بإصلاحات سياسية، صار هذا المناخ ملائما للتنظيمات التكفيرية المسلحة، التى تسمّت بأسماء متعددة، وجلبت إليها دعما لوجستيا وبشريا وماديا من دول إسلامية مجاورة وبعيدة.
ومن أقوى التنظيمات التى تشكلت هناك، جبهة النصرة، وأحرار الشام، ثم داعش، الذى دارت معارك ضارية بينه وبين تلك التشكيلات العسكرية السنية، لاحقا، للفوز بصدارة المشهد، وحيازة القيادة المطلقة، وجاء الاحتقان المذهبى والطائفى والظلم الشديد الواقع على السنة العراقيين، من جانب نظام رئيس الوزراء الشيعى نورى المالكى، المدعوم من الولايات المتحدة، ليصنع مناخا مناسبا كذلك فى العراق، فاستغل داعش، الذى استولى على مناطق حدودية بين العراق وسوريا، حالة الغضب والكبت السنى، ليوظفه فى صالح مشروعه الخاص بالاستيلاء على الحكم، وإعلان ما يسمى بـ«الدولة الإسلامية».
وجاء فشل الإسلاميين التقليديين فى الحكم، وعجزهم عن مواءمة الواقع، وتقديم تصور مناسب ومتوازن للحكم، يراعى التفاعلات والتنويعات الداخلية، ويدرك مدى خطورة التحديات الإقليمية والدولية، ليمثل غذاء نمت عليه داعش والتنظيمات التكفيرية داخل مصر وسوريا، بأن انتهزوا الفرصة الثمينة ليقولوا لشباب الحركات الإسلامية إن الديمقراطية لا تجدى نفعا، ولا تصنع تغييرا، وأنه لا سبيل آخر سوى الصدام والمواجهة المسلحة، والانخراط فى التنظيمات التكفيرية المسلحة.
وتركز نشاط داعش فى سوريا والعراق، تحت راية إقامة دولة الخلافة الإسلامية، وعاصمتها بغداد، بعد أن غرس الأردنى أبو مصعب الزرقاوى، أولى بذور هذا التنظيم، الذى خرج من رحم أدبيات تنظيم القاعدة، تحت مسمى «تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين»، ثم تطور مع المستجدات والتفاعلات الإقليمية والدولية، ليتبلور فى شكله النهائى، على يد أبو بكر البغدادى، تحت اسم تنظيم داعش.
وبعد مقتل الزرقاوى، وخليفته أبوعمر البغدادى، أبوبكر البغدادى إلى إعلان نفسه خليفة للمسلمين، مطالبا كل أمراء الفصائل الإسلامية بمبايعته، وتوعد الرافضين بإهدار دمهم، وساعدت الظروف السياسية المضطربة فى العراق وسوريا الرجل على مضاعفة نفوذه، ليصبح أقوى وأشهر من الظواهرى، زعيم القاعدة، وأبو محمد الجولانى، زعيم تنظيم جبهة النصرة.
فكر التكفير
وفكر داعش الأصلى هو فكر التكفير والتفجير الذى نشأ عليه تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين، وهو يكفر الجيوش العربية بلا استثناء، وكذلك جميع الحكام العرب، والأحزاب السياسية، كما يكفر جميع الشيعة، ولا يؤمن إلا بالقتال سبيلا لإقامة الدين والدولة.
ويعتبر داعش مرتكب الكبيرة كافرا، ويلاحق مرتكب المعاصى، ولا يعذر أحدا من العوام بجهله، كما يكفر كل من لا ينضم إلى الجماعة أو الدولة التى يعتبرونها «دولة المسلمين»، ومن لم يعلن الولاء لها، أو ينضم إلى التنظيم، ويبايع أميره.
ويحرّم التكفيريون الديمقراطية والانتخابات والمشاركة السياسية وتداول السلطة، كما يعتبرون كل الحكام «الذين لا يحكمون بما أنزل الله»، وفق تصوراتهم لهذا المفهوم، كفارا، كما يكفرون العلمانيين والليبراليين واليساريين والقوميين والناصريين، والحركات الإسلامية الأخرى التى لا تذعن وتعلن مبايعتها وولاءها لداعش وأميرها، بالإضافة لتكفير أعوان الحكام ومؤسسات دولهم، سواء العسكرية أو المدنية أو العاملين فيها.
أغنى تنظيم إرهابى
ويعتبر «داعش» أغنى تنظيم إرهابى مسلح على وجه الأرض، فهو يمتلك مصادر تمويل هائلة، ممثلة فى آبار للنفط فى سوريا، بالإضافة إلى الكثير من الأموال التى يحصل عليها كفديات، والكثير من الغنائم، التى تقدر بنصف مليار دولار، تم الاستيلاء عليها من البنك المركزى فى مدينة الموصل العراقية، بعد احتلاله لها، ووفقا لمجلة إيكونوميست البريطانية، فإن التنظيم يسيطر الآن على دولة فى نفس مساحة وعدد سكان الأردن، حيث يسكن فى المناطق الخاضعة للتنظيم نحو 6 ملايين سورى وعراقى.
شفرة داعش
مرت منطقة الشرق الأوسط بعدة مراحل عبر تاريخها، منها مرحلة التوحد تحت راية الخلافة الإسلامية، إلى الدول الكبرى الجامعة، مثل دول الأيوبيين والمماليك، ثم الخلافة العثمانية، حتى جاءت مرحلة الدول الكبرى، مثل دولة محمد على، وبعدها تمزقت هذه الدول الكبرى إلى دول أصغر بعد الاحتلال الأوروبى لمعظم الدول العربية، ثم بداية تحررها من هذا الاستعمار، فانفصلت السودان عن مصر، وانفصلت لبنان عن سوريا، واستقل الأردن عن فلسطين.
وتطورت الأمور لاحقا بانفصال جنوب السودان عن شماله، وتقسيم العراق عمليا بعد الاحتلال الأمريكى فى عام 2003، إلى 3 دويلات، كردية فى الشمال، وشيعية فى الجنوب، وسنية فى الوسط، ولم يبق سوى الإعلان عن هذا التقسيم رسميا، فالأكراد لديهم جيش، وشرطة، وأجهزة استخبارات، وعلم، ونشيد وطنى مستقل.
وجاءت المرحلة الرابعة لتطور المنطقة بعد ثورات الربيع العربى، حيث بدأت الدول تنقسم إلى كنتونات صغيرة تحكمها جماعات مسلحة متحاربة متباغضة متقاتلة، وتتحكم هذه الجماعات فى سياسة هذه الدول، ومقدراتها الاقتصادية، وأمنها، ففى وسط العراق، يعتبر داعش، هو المتحكم الرئيسى، بينما تسيطر على المناطق الجنوبية، الميليشيات الشيعية، مثل «عصائب أهل الحق»، التى يتزعمها قيس الخزعلى، والتى ارتكبت مجزرة مسجد مصعب بن عمير فى ديالى مؤخرا، وقتلت 70 مصليا من السنة، وأصابت مئات آخرين، وهدمت المسجد على رءوس المصلين، بالإضافة إلى ميليشيا «جيش المهدى»، التى يتزعمها الزعيم الشيعى مقتدى الصدر، وتتمركز فى سامراء وجنوب بغداد، وميليشيا «بدر» الشيعية، التى يتزعمها وزير النقل السابق، هادى العامرى، هل تتخيلون أن وزير نقل فى الحكومة العراقية السابقة يتزعم ميليشيا تقتل وتذبح بالاسم والمذهب، أما فى كردستان العراق، فهناك «البشمركة»، وهو جيش كردى يسيطر تماما على الشمال العراقى.
سوريا
ولا يختلف الوضع كثيرا فى سوريا، فهناك نجد جيش النصرة، الابن الأثير للقاعدة، والأقل تكفيرا ودموية من داعش، يسيطر على مناطق واسعة من البلاد سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وينتمى إلى نفس عائلة داعش، رغم ما بين الطرفين من خلافات حادة، وبجانبهما يوجد الجيش السورى الحر، الذى يسيطر على مناطق كبيرة أيضا، ويتلقى مساعدات سخية من الولايات المتحدة وتركيا وحلفائهما.
ليبيا
وفى ليبيا، نجد تنظيم أنصار الشريعة، وهو أحد أبناء القاعدة، يسيطر على مناطق كبيرة من البلاد، كما أتم سيطرته على مطار طرابلس، وهو يملك الكثير من الأسلحة والذخائر والمعدات والأموال، إلا أنه أقل حدة من داعش فى التكفير، لكنهما يشتركان فى تكفير الحكام العرب، وجيوشهم، وأجهزتهم الأمنية، ومجالسهم النيابية، فضلا عن الشيعة والصوفية.
لبنان
وإذا نظرنا إلى لبنان، نجد أن حزب الله هو الفاعل الحقيقى والمتحكم الرئيسى على الأرض، والذى يملك كل أدوات التمكين، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وإعلاميا، أما فى فلسطين فإن حماس هى المسيطرة تماما وفعليا على الساحة الفلسطينية، ليس فى غزة وحدها، وإنما فى الضفة أيضا، ولا يختلف الوضع المضطرى كثيرا فى اليمن، فهناك وجد تنظيم أنصار الله الشيعى، المعروف إعلاميا باسم «الحوثيين» فرصة مؤخرا للسيطرة على الساحة عسكريا واقتصاديا وإعلاميا، بعدما نجح فى السيطرة على العاصمة صنعاء، والحقيقة أن حزب الله هو أعقل الشيعة، وحماس هى أعقل السنة، لأنهما أقرب إلى فكر الدولة، وأبعد عن فكر الميلشيات الهمجية.
مناطق سيطرة داعش
يسيطر داعش على المناطق السنية فى العراق، التى كانت سابقا خاضعة لسيطرة فلول حزب البعث، ومناصرى الرئيس الأسبق صدام حسين، أما فى سوريا، فيسيطر التنظيم على مناطق السنة أيضا، مثل الرقة وحلب وريف اللاذقية ودمشق وحمص وحماة وإدلب وغيرها، ويمكن القول إن سماح السنة لتواجد مقاتلى داعش فى مناطقهم، هو رد فعل على الظلم الذى عانوه من الحكام الشيعة فى العراق، حيث حكم المالكى العراق بطريقة طائفية متعصبة، أعطت كل شيء للشيعة، واستطاع الأكراد اقتناص نصيبهم كرها، قبل وبعد وصوله إلى السلطة، أما السنة فاستبعدوا من كل شيء محورى فى قيادة العراق، بدءا من المؤسسات السيادية والأمنية والجيش والشرطة، ما يفسر تعاطفهم الكبير مع داعش، ليس حبا فى التنظيم، وإنما كراهية لظلم المالكى وحكومته وطريقته الطائفية فى حكم العراق.
فشل الحكم الطائفى
لقد أثبت بشار الأسد ونورى المالكى أن أى حاكم طائفى لن يصلح لحكم أى بلد عربى، وأنه لابد للحاكم ألا يكون متحيزا لطائفة دون أخرى، أو أن يكون الجيش أو المؤسسات السيادية من طائفة أو عرق أو فصيل بعينه.
ويمكن للمتأمل فى تكوين داعش، أن يجده مكونا من فصائل سنية من بلاد مختلفة، اعتنقت أفكار التكفير والتفجير التى يؤمن بها تنظيم القاعدة، ودخلت فيه جنسيات كثيرة سنية من بلاد كثيرة، منها مصر والسعودية وتركيا وباكستان بالإضافة لبريطانيا والولايات المتحدة، وكان الجديد هو أن انضم للتنظيم ضباط قدامى من الجيش العراقى، الذى حله أول حاكم عسكرى أمريكى للعراق بعد الاحتلال، بول بريمر.
أتباع داعش
وانتظم تحت لواء داعش أيضا بعض القوميين العراقيين، لذلك نجد أن خطاب التنظيم بعد دخوله المناطق العراقية، يختلف عن خطاب القاعدة قديما، حيث تم تهذيبه وتطويره، حتى لا ينفر السكان المحليين، ويجعلهم يكرهون التنظيم بسرعة، كما حدث من قبل مع التنظيم الأب بقيادة الزرقاوى، والذى احتشدت القبائل العراقية للقضاء عليه.
داعش والقاعدة
نشأ النزاع الكبير بين شركاء الأمس من جهادى القاعدة فى سوريا، ولم يستطع زعيم القاعدة الحالى، أيمن الظواهرى، فى احتواء الخلاف الكبير بينهما، الذى فجر الاقتتال والصراع الدموى بين تنظيمى الدولة الإسلامية فى العراق والشام، بقيادة أبو بكر البغدادى، وجبهة النصرة بقيادة أبو محمد الجولانى.
وبعد نداء مسجل للظواهرى دعا فيه قيادة التنظيمين لحقن الدماء، رد المتحدث باسم داعش، أبو محمد العدنانى، بطريقة مستفزة وقاسية، فى تسجيل نال رواجا كبيرا على شبكة الإنترنت، بعنوان «عذرا يا أمير القاعدة»، ما اضطر القاعدة وجبهة النصرة إلى الرد الإعلامى من خلال أبو مارية القحطانى، على خلفية شعور القاعدة بالإهانة من لغة العدنانى القاسية، كما استمر القتال بين الطرفين.
نقطة خلاف
كانت نقطة بدء الخلاف الرئيسية بين الجانبين، هى أبو مصعب الزرقاوى، الذى استحدث فى ممارساته على الأرض أساليب للقاعدة، كانت هى الأكثر تشددا وعنادا فى تاريخ التنظيم، رغم إعلانه البيعة لأسامة بن لادن، حيث استحداث توجيه ضربات قوية للشيعة، بالإضافة إلى السير فى طريق الصدام مع قوى وفصائل إسلامية أخرى، مثل الجيش الإسلامى، وسرايا ثورة العشرين، ما أثار الجدل واللغط والانقسامات والنقاشات المحتدمة داخل القاعدة، وصار التنظيم بعدها قاعدتين، إحداهما تسير على خط الزرقاوى ونهجه المتشدد.